بعد غياب طويل دام سنوات عدة عن الساحة الفنية، يعود المغني اللبناني فضل شاكر اليوم لحلبة المنافسات الفنية، ليضع صوته وموهبته مجدداً في واجهة النقاش الفني العربي وبقوة هذه المرة، وذلك بعد أن أطلق أغنيته الجديدة «صحّاك الشوق» التي صاغت كلماتها وألحانها الشاعرة اليمنية جمانة جمال، التي سبق وتعامل معها الفنان اللبناني في أغانٍ مثل «الحب وبس»، «وغلبني»، و«أحلى رسمة»، و«هوى الجنوب» و«الشام فتح»، إضافة إلى الأغنية الأحدث «صحّاك الشوق»، التي يبدو أنها لم تمر على الساحة الجماهيرية «مرور الكرام»، بل سرعان ما تصدّرت «الترند» في عدد واسع من الدول العربية، في عودة «أنيقة» أبهرت الجمهور وشغلت المستمعين، رغم أنها أعادت إلى الأذهان موجة النقاشات والجدل المستمرين حول المغني اللبناني، فهل يكفي الصوت العذب والمخزون الفني الثري لإعادة الاعتبار لصاحبهما، أم أن الماضي بكل ما اكتنزه من نجاحات وعثرات، سيظل حاجزاً يقف بينه وبين الجمهور.
غياب وعودة
منذ بداياته الجماهيرية في نهاية التسعينات من القرن الماضي، وألبومه الأول «والله زمان» الذي صدر في عام 1998، تعرّف الجمهور العربي إلى موهبة فضل شاكر الفنية، وقدراته الصوتية الفريدة التي جذبت اهتمام النقاد، وحازت مع مرور الوقت إعجاب الجمهور العربي، فباتت علامة من العلامات الفنية المضيئة والأصوات العربية الناجحة جماهيرياً. إلا أن الأزمة التي تعرض لها الفنان، قلبت موازين تجربته، بل وحياته، محوّلة بالكامل مساره الفني، ومجبرة إياه على النأي عن الأضواء لما يقارب 10 أعوام، قبل أن يعود خلال العامين الماضيين إلى طرح مجموعة من الأغاني المنفردة الناجحة التي صوّرها الفنان بميزانيات إنتاجية محدودة، وطرق بسيطة و«متقشفة» بعض الشيء، اقتصرت على حدود «غرفة صغيرة»، ما اعتبره البعض مؤشراً على تواضع إمكانات الفنان الذي يعود إلى الساحة بتأنٍ واحتشام، وصولاً أخيراً إلى مفاجأة فنية مدوية، وهي أغنية «صحّاك الشوق» التي جاءت مختلفة نوعاً ما، سواء من ناحية الرؤية الفنية المتكاملة للمخرجة فاطمة رشا شحادة، أو الإمكانات الإنتاجية التي سخرتها «بنش مارك» لها بعد توقيعها عقداً فنياً مع الفنان يمتد لعامين، لإنتاج نحو 20 أغنية جديدة، بحسب ما أكّده أحد المسؤولين في الشركة، الأمر الذي يشي بعودة فنية «قوية»، «جدية» وأكثر «احترافية» للفنان فضل شاكر، تحمل وعوداً بمشروع غنائي متواصل، لا مجرد إطلالات متقطعة كل فترة.
نجاح لافت
منذ ساعة إطلاقها، حصدت أغنية «صَحّاك الشوق» أكثر من 11 مليون مشاهدة خلال ثلاثة أيام فحسب من طرحها عبر الصفحة الرسمية للفنان على منصة «يوتيوب»، هذا عدا عن الانتشار الواسع الذي سجلته الأغنية على المنصات الرقمية الأخرى، فيما لم يقتصر الأمر على الإعجاب الجماهيري، بل تعدّاه إلى تداول الأغنية بين موسيقيين ونقاد فنيين، بادروا بدورهم لتحليلها من وجهة نظر موسيقية على منصات التواصل الاجتماعي، مشيرين إلى بنيتها اللحنية الخاصة التي تحمل مزيجاً «فريداً» من ألق الكلاسيكية وسحر الحداثة، ما منح الأغنية الجديدة بعداً «فنياً» جديداً، و«قيمة» مضافة، وتأكيداً بدا واضحاً على أن عودة الفنان، لم تكن مجرد حدث عابر، بل خطوة فنية «مدروسة» تواكب تعطشاً جماهيرياً جلياً لصوته وحضوره الفني الفاعل، رغم الأزمات والمطبات.
بين النجاح والانتقاد
رغم الاحتفاء العام، لم يسكت انتشار الأغنية الجديدة الأصوات المنتقدة التي تعالت على منصات التواصل الاجتماعي، مؤكدة أنها، مهما جاءت ناجحة، لا تكفي لتثبيت عودة فنان بحجمه، وأن الجمهور يحتاج إلى مشروع متكامل يرسخ حضوره مجدداً على الساحة. فيما اعتبر آخرون، أن صورته السابقة مازالت تلقي بظلالها اليوم على حضوره الفني في المجال، وأن العودة الفنية لا تنفصل عن السياق العام الذي أحاط باسمه في السنوات الماضية. فيما شدّد مؤيدو النجم ومحبوه على ضرورة فصل الفن عن أي أحداث أو ملابسات خارج عالم الفن، وأن الصوت وحده قادر على إعادة الاعتبار للفنان، وأخيراً، أن صوت شاكر لايزال يملك القدرة على ملامسة القلوب والنفاذ إلى الوجدان.
جدلية العودة
في المحصلة، يبدو أن ما يجعل عودة فضل شاكر مثيرة للاهتمام هو التناقض الحاد الذي رافقها ولايزال، فهو بالنسبة إلى شريحة واسعة من جمهوره ومستمعيه، يشكل رمزاً من رموز الأغنية المعاصرة، بينما يظل بالنسبة لآخرين عنواناً صادماً لجدل لم يحسم بعد. ومع ذلك، فإن توقيعه عقد إنتاج مع شركة كبرى، وإطلاقه أغنية حققت كل هذا الزخم، يوحيان بأن مساره الجديد قد يكون أكثر استقراراً ووضوحاً هذه المرة. في المقابل، لا يكمن التحدي الأكبر في حصد المشاهدات أو «الترندات»، بل في مدى قدرة المغني اللبناني على تحويل هذه العودة إلى مشروع فني مستدام، وفصل مزهر بالنجاحات المستقبلية الواعدة.
. الفنان اللبناني وقَّع عقداً لإنتاج نحو 20 أغنية جديدة، ما يشي بعودة «قوية» وأكثر «احترافية».