«ليست العُملات مجرد وسيلة للتداول التجاري، بل إنها وثائق حية وشاهدة على حضارات الشعوب والدول، ويمكن من خلال كل قطعة التعرف إلى معالم الدولة وثقافتها»، بهذه الكلمات عبّر الباحث ومقتني العملات الإماراتي، عبدالله المطيري، عن أهمية التداول التجاري النقدي الذي بدأ يتقلص في ظل الدفع الإلكتروني، الذي رأى أنه حيثما وجد، في أي بلد، يُهدّد الهوية والتاريخ، وتحدث المطيري لـ«الإمارات اليوم» عن بدايات التعامل النقدي في الإمارات، وأبرز العملات التي استخدمت قبل الدرهم، والأسماء الغريبة التي كانت تطلق على العملات، ومنها «أم البنت»، و«أم الكلاب»، و«مصلع»، وغيرها.
فضة خالصة
واستهل المطيري حديثه عن أولى العملات التي تم تداولها في الدولة قبل الدرهم، وقال: «العملة هي المرآة الحقيقية التي يمكن من خلالها أن يحكم الإنسان على أي دولة، وفي الفترة القديمة، في بداية نشأة العملات، كان للإمارات وزنها الاقتصادي والعديد من الموانئ، كما تبيّن أنه كانت هناك أكثر من دار لسك العملات في أواخر العهد الإغريقي، وإحدى هذه الدور كانت بمليحة في الشارقة، وكذلك في أم القيوين، وتم اكتشاف أكثر من 1000 قطعة من العملات التي سُكَّت وتم التداول بها في الإمارات، وذلك تقريباً في عام 225 قبل الميلاد».
وأضاف: «العملات التي سُكَّت في تلك المرحلة كانت من الفضة الخالصة، واستخدم بجانبها بعض العملات كأجزاء من النحاس أو البرونز، واكتشف أيضاً بعض عملات الذهب، ومعظم العملات التي اكتشفت كانت في المنطقة الشرقية».
سلة من العملات
وانتقل المطيري إلى الحديث عن سلة من العملات المختلفة التي استخدمت في الإمارات في العصر المتوسط، ومنها المشخص أو الدوكا، وهي العملة التي وردت من بوهيميا، وكانت مخصصة للادخار فقط، بينما استخدم بعدها التالر النمساوي، المسكوك في عهد الامبراطورة ماريا تيريزا في عام 1780، وكان استخدامه شائعاً كالدولار في عصرنا الحالي، ولفت إلى أن التالر سُمي في الإمارات ريالاً، وكان وزنه 28 غراماً (26 غراماً من الفضة وغرامان من الزنك)، واستمر تداوله حتى سنة 1835، ونوه المطيري إلى أنه بعد اتفاقية الهدنة التي وقعت مع بريطانيا، بدأ استخدام الروبية التي كانت تسك من قبل شركة الهند الشرقية، وكانت الأولى في عهد وليام الرابع، وقد استخدمت في الإمارات وعُمان وجنوب اليمن والعراق والعديد من الدول التي كانت خاضعة للحكم البريطاني، وتولت بعد وفاته الملكة فيكتوريا الحكم، وسكت روبيتها بطرازين مختلفين، الأولى وهي غير متوجة، وكان الإماراتيون يطلقون عليها تسمية «أم البنت»، وفي ما بعد سكت روبية باسم الهند، وكانت تحمل صورتها مع التاج، ثم سكت مشتقات الروبية، ومنها النصف والربع والآنة والبيزة و«الآر دي»، ولفت المطيري إلى أنه كان يضرب المثل بأصالة الشخص بهذه التسميات، فيقال عن الأصيل روبية أو يقال «آر دي» عن قليل الأصل، واستمر التداول بهذه الروبية حتى وفاتها في عام 1901.
خير ورخاء
حملت العملات الكثير من التسميات في الإمارات، وأشار المطيري إلى أن الناس كانوا يطلقون التسميات تبعاً للصور المطبوعة عليها، فالروبية التي سكت في عهد إدوارد وتحمل صورته وهو أصلع، سميت «المصلع»، فيما أتى بعده جورج الخامس الذي كان شعره أشيب، وسميت بـ«الشيبة»، فيما كانت العملة التي تحمل رمز الأسود تسمى «أم الكلاب».
وعن أول العملات الورقية التي تم تداولها في الإمارات، قال المطيري: «دخلت العملات الورقية في عام 1918، إذ بدأ التداول بفئة 10 روبيات التي كانت أعلى فئة، وتزامن دخولها الدولة مع ولادة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان طيب الله ثراه، واعتبر الناس أن مجيئه كان بشارة خير ورخاء»، ولفت إلى أنه بعد تولي جورج السادس الحكم، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية في عام 1939، أمر بجمع كل العملات التي سكت من الفضة الخالصة دعماً للخزينة البريطانية، وفي عام 1947 سكت آخر روبية واستقلت الهند، ولم تملك الإمارات خيارات سوى استخدام العملات الموجودة، ولكن بعض إمارات الدولة لم يكن لديها فائض، فأمر الحاكم وقتذاك بكتابة أرقام العملات على قصاصات من الورق، وكانت توقع من الحاكم وتختم وتستخدم في التداول التجاري، إلى أن وافقت حكومة الهند الجديدة على أن تستخدم عُملتها في دول الخليج، وأشار المطيري إلى أن الحكومة الهندية لم تتمكن من إصدار عملتها الورقية حتى عام 1949 و1950 للمعدنية، وتم تداول العملة الجديدة، وكانت الروبية تحمل رمز الأسد وسميت «أم صنم»، في عام 1959 أصدرت الهند عملة خاصة للخليج، واستخدمت في الإمارات وفي قطر حتى عام 1966، ووقتها قررت الهند خفض قيمة الروبية، وانعكس ذلك سلباً على التجار، وأشار المطيري إلى أنه أقيمت وحدة نقدية اقتصادية ضمت حكومة قطر ودبي، وأصدرت ريالاً عرف بريال قطر ودبي، وتم تداوله في قطر ودبي وبقية الإمارات باستثناء أبوظبي، وتم الإبقاء على تداول هذه العملات حتى صدور الدرهم في 19 مايو 1973.
الدرهم الجديد
وأكد المطيري أنه مع صدور الدرهم تم التوقف عن استخدام كل العملات، وفي تلك الفترة صدرت فئات كثيرة، بدءاً من خمسة دراهم، و10 دراهم، و50 و100، ونوه بأنه للتعريف بنشأة الدولة، ظهرت على العملة الكثير من المعالم المرتبطة بالإمارات، ومنها متحف الفهيدي والجامع وبرج الساعة وجسر المقطع ومدينة رأس الخيمة وقلعة الفجيرة، وكتبت أسماء الإمارات باللغة الإنجليزية، ووضعت صور منصة بترول وعقد من اللؤلؤ ونخلة وقافلة، ولفت المطيري إلى أن العملة الأولى صدرت عن مجلس نقد الإمارات، ثم في عام 1980 صدر قرار بإنشاء مصرف الإمارات المركزي، وصدر الدرهم الجديد في عام 1982، ولم تتغير العملات منذ ذلك الوقت.
جامع العُملات
يمتلك عبدالله المطيري 14 ألف قطعة من العملات التي تعود للفترة الإسلامية بمختلف فئاتها، بينما يمتلك من عملات الإمارات الحديثة ما يقارب 2000 قطعة، وقد بدأ بهواية جمع العملات منذ سنوات طويلة، فضلاً عن جمع الطوابع والكتب والملاعق النادرة، ولفت إلى أنه حاز أول عملة من البحر، وكانت عملة فيصل بن تركي سلطان عُمان، وتعود لعام 1314، وعندما جلبها الموج شعر بأنه امتلك كنزاً، ثم حصل على التالر الذي يعود إلى عام 1780، وبدأ يتوسع في جمع العملات من خلال دور المزادات.
• 1000 قطعة من العُملات سُكَّت وتم تداولها في الإمارات عام 225 قبل الميلاد.
• في عام 1918 دخلت العُملات الورقية الدولة بالتزامن مع ولادة الشيخ زايد، واعتبر الناس مجيئه بشارة خير ورخاء.