في قلب مدينة دبي، حيث تلتقي الطموحات المعمارية بالرؤى الثقافية، ينهض مشروع «ديب دايف دبي» كصرح فريد من نوعه، لا يشبه مراكز الغوص التقليدية، بل يتجاوزها ليصبح تجربة شاملة تحاكي الغوص في مدينة مائية غامضة، تُعيد إلى الذاكرة حكايات البحر، وتفتن الزائر بمزيج مذهل من الابتكار، والفن، والتقنية.
افتُتح المركز في يوليو 2021، ليُتوَّج بعدها رسمياً بلقب «أعمق حوض غوص في العالم» حسب موسوعة غينيس للأرقام القياسية، بعمق يبلغ 60.02 متراً، متفوّقاً بذلك على أقرب منافسيه العالميين. ويقع في منطقة ند الشبا، وهي منطقة سكنية هادئة يسهل الوصول إليها من وسط دبي، ما يجعله وجهة قريبة ولكنها تنقلك إلى عالم بعيد تماماً عن ضوضاء المدينة.
ويحتوي الحوض على 14 مليون لتر من المياه العذبة، وهي كمية تعادل قرابة ستة مسابح أولمبية، محاطة بتصميم معماري مدهش مستوحى من شكل محارة عملاقة، تكريماً لتراث الإمارات البحري، ولتاريخ الغوص من أجل اللؤلؤ، الذي كان يوماً ما ركيزة الاقتصاد المحلي قبل النفط. هذا الربط الرمزي بين الماضي والابتكار المعاصر، يجعل «ديب دايف دبي» أكثر من منشأة رياضية، إذ يُعد معلماً ثقافياً وسياحياً يروي قصة المدينة من تحت سطح الماء.
وتتميّز التجربة داخل الحوض بأنها لا تقتصر على الغوص العادي، بل تُقدَّم كرحلة درامية داخل «مدينة غارقة» متكاملة، تضم مباني مهجورة، وممرّات مظلمة، ومكتبة، وغرفة معيشة، ومطبخاً، وغرفة موسيقى، ومرآب سيارات، وحتى شوارع صغيرة، صُممت كلها بطريقة سينوغرافية مُتقنة، لتمنح الغوّاص شعوراً بأنه يعيش داخل فيلم سينمائي. وتسمح مستويات العمق المختلفة بممارسة الغوص الحر أو غوص السكوبا (الأسطوانات)، ضمن بيئة تحاكي سيناريوهات واقعية أو خيالية، يستمتع بها المبتدئون كالمحترفين.
ولأسباب تتعلق بالأمان وجودة التجربة، لا يُسمح بالدخول إلى «ديب دايف دبي» دون حجز مسبق عبر الموقع الرسمي، حيث تُحدَّد التجربة بناءً على مستوى الزائر. وتبدأ الأنشطة من سن 10 سنوات، وتشمل مستويات مختلفة: من الغطس السطحي البسيط لمن لا يجيد السباحة، إلى الغوص الحر لمن لديهم قدرة على حبس النفس، وصولاً إلى الغوص باستخدام الأسطوانات تحت إشراف مدرّبين معتمدين. ويوفّر المركز برامج تدريبية مكثفة للحصول على شهادات غوص دولية معترف بها، مع تجهيزات حديثة وغرف تبديل واسعة ومريحة.
من الناحية التقنية، يُعد «ديب دايف دبي» من أكثر المنشآت المائية تطوراً على مستوى العالم. فهو مزوّد بنظام تنقية فائق الدقة مستوحى من تقنيات «ناسا»، قادر على ترشيح مياه الحوض بالكامل كل ست ساعات، باستخدام مزيج من الأشعة فوق البنفسجية والأنظمة الميكانيكية لضمان أعلى معايير النظافة. كما تنتشر أكثر من 56 كاميرا مراقبة داخل الحوض، لمتابعة حركة الغوّاصين بدقة عالية، ما يعزّز مستوى الأمان بشكل استثنائي. إضافة إلى ذلك، يحتوي المركز على غرفة ضغط طبي جاهزة لأي طارئ، وتُستخدم أيضاً لأغراض تدريبية ومحاكاة مهنية.
ويُقدّم «ديب دايف» تجربة متكاملة لا تنتهي عند الخروج من الماء؛ إذ يضم المبنى مرافق خدمية متنوّعة، منها مطعم ومقهى بإطلالة مباشرة على الحوض، عبر نوافذ زجاجية تُتيح للزوّار غير المشاركين مشاهدة الغوّاصين في الأعماق. وهناك أيضاً متجر متخصص في معدات الغوص، وصالات للاستراحة، وغرف لعقد ورش العمل أو التدريب النظري، إضافة إلى استوديو تصوير احترافي يُوثّق مغامرة الغوص بالفيديو والصور الفوتوغرافية العالية الجودة.
نافذة على مستقبل الترفيه
في مشروع «ديب دايف»، تبرز فلسفة دبي في تقديم مفهوم مغاير للترفيه: ليس فقط بإبهار العين، بل بخلق تجارب لا تُنسى، تجمع بين الجرأة والتقنية والخيال. فالحوض ليس نزهة عابرة، بل مغامرة داخل مدينة تحيا تحت الماء. وهو ليس وجهة للغوص فقط، بل نافذة على مستقبل الترفيه في المدينة، التي باتت تتقن اللعب على التضاد: تعانق السماء بناطحات السحاب، وتغوص في الأرض بهذا الحوض الأسطوري.
وما بين القاع والقمة، تواصل دبي رسم ملامحها كمدينة تكتب روايتها الخاصة بلغة لا يفهمها إلا الذين يجرؤون على الغوص في العمق، سواء كان ذلك بالمجاز أو بالحقيقة.
. 60.02 متراً، عمق الحوض.
. الوجهة تقدّم رحلة درامية داخل «مدينة غارقة» متكاملة، تضم مباني مهجورة، وممرّات، ومكتبة، وغرفة معيشة.
. نظام تنقية فائق الدقة مستوحى من تقنيات «ناسا»، قادر على ترشيح مياه الحوض بالكامل كل ست ساعات.