أثار تعيين شابانا محمود، السياسية البريطانية ذات الأصول الباكستانية، وزيرة للداخلية في حكومة كير ستارمر، موجة تحريض واسعة على منصات التواصل الاجتماعي، قادتها حسابات يمينية متطرفة وأخرى مؤيدة لإسرائيل.

وتركزت المزاعم على خلفيتها الإسلامية ومواقفها السابقة المؤيدة لفلسطين، متهمة إياها بـ”الراديكالية” و”الارتباط بجماعات إسلامية”، بل زعمت أنها تشكل “تهديدا على الأمن القومي البريطاني”.

اقرأ أيضا

list of 2 itemsend of list

وركزت حسابات اليمين المتطرف في هجومها على وزيرة الداخلية الجديدة بسبب خلفيتها الدينية، وهو ما كشفه تحليل شبكي أجراه فريق “الجزيرة تحقق” لأكثر من 5 آلاف تغريدة على منصة “إكس” بين 5 و7 سبتمبر/أيلول الجاري.

وأظهر التحليل أن الحملة لم تكن تلقائية، بل قادتها حسابات يمينية متشددة وأخرى مؤيدة لإسرائيل اعتادت التحريض ضد المسلمين والمهاجرين، وسعت هذه المرة إلى ربط اسم شابانا محمود بالقضية الفلسطينية لتأليب الرأي العام ضدها.

تحليل شبكي لأكثر من 5 آلاف تغريدة عبر منصة “إكس” تهاجم شابانا محمود (نود إكسل)

 

بداية الحملة

وتصدر حساب الناشط اليميني المتطرف “تومي روبنسون” الحملة ضد الوزيرة الجديدة، إذ نشر عدة تغريدات تجاوزت مشاهداتها المليون.

وركز في إحدى تغريداته على خلفية شابانا الدينية، مذكّرا بأنها أقسمت على القرآن عند توليها مقعدها في البرلمان، ثم أضاف بسياق تحريضي أنها – بوصفها وزيرة للداخلية – ستكون مسؤولة عن ملفي الهجرة والحدود، مدعيا أنها “تضع الإسلام فوق أي اعتبار”، قبل أن يختم بدعوة صريحة إلى “إزاحة حزب العمال”.

مزاعم الراديكالية

وسّع سياسيون يمينيون ومتطرفون نطاق الحملة ضد شابانا محمود عبر اتهامات وصفتها أوساط بريطانية بـ”المضللة”، فقد زعم السياسي اليميني بول ويستون أن الوزيرة الجديدة على صلة بالمجلس الإسلامي البريطاني (MCB) والرابطة الإسلامية البريطانية (MAB)، واصفا المنظمتين بأنهما ترتبطان بـ”أصوليين إسلاميين”، مدعيا أن الولايات المتحدة “تدرك أن شابانا أصولية إسلامية”، وأنها تدرس إمكانية تقييد تبادل المعلومات الاستخباراتية معها.

وفي السياق نفسه، هاجم المحلل البريطاني الأميركي نيل غاردينر، قرار رئيس الوزراء كير ستارمر تعيينها، معتبرا أنه “أطلق ناقوس الخطر في واشنطن”، وقد يهدد -على حد قوله- التعاون الاستخباراتي بين الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.

وروجت المزاعم ذاتها حسابات معادية للمهاجرين، بينها حساب باسم “Wall Street Mav” الذي وصف شابانا بأنها “متطرفة إسلامية راديكالية من أقصى اليسار”، مضيفا أن تعيينها يعني ضرورة توقف واشنطن عن مشاركة المعلومات الاستخباراتية السرية مع لندن.

لكن هذه الادعاءات سرعان ما تناقضت مع الواقع، إذ لم تصدر أي تصريحات رسمية من واشنطن بهذا الخصوص، بل شاركت وزيرة الأمن الداخلي الأميركية كريستي نويم -أمس الاثنين- في اجتماع تحالف “العيون الخمس” الأمني الذي ترأسته شابانا في لندن، في إشارة واضحة إلى استمرار التعاون الأمني بين البلدين.

ادعاء رفض ترحيل المجرمين

اتهم الإعلامي البريطاني مارتن دويني -المعروف بمواقفه المعادية للمهاجرين- ومعه حسابات يمينية متشددة، شابانا محمود بأنها ساهمت في “عرقلة ترحيل مدانين بجرائم خطيرة”، واستندوا في ذلك إلى رسالة برلمانية وقعت عليها عام 2020 تطالب بوقف ترحيل بعض المهاجرين الأجانب.

غير أن مراجعة الوقائع تكشف أن هذا الادعاء مضلل، إذ إن الرسالة وُجهت في 9 فبراير/شباط 2020 ووقعها نحو 170 نائبا من مختلف الأحزاب، احتجاجا على قرار حكومي بترحيل نحو 50 شخصا إلى جامايكا، من بينهم من وصلوا إلى بريطانيا أطفالا وعاشوا فيها معظم حياتهم، وجاءت المطالبة استنادا إلى أخطاء جسيمة ارتكبت في فضيحة “ويندراش” التي فُتح التحقيق فيها عام 2018.

ولم تكن شابانا محمود أبرز الموقعين على الرسالة، فقد ضمت القائمة أسماء بارزة بينها وزير الخارجية الحالي ديفيد لامي، وتلخصت دوافع الرافضين في أن المرحلين ولدوا ونشأوا داخل بريطانيا ولهم عائلات مستقرة فيها، ومن غير العدل معاملتهم كغرباء أو إبعادهم عن مجتمعاتهم.

هجوم مؤيدي إسرائيل

لم يقتصر التحريض ضد وزيرة الداخلية البريطانية الجديدة على اليمين المتطرف، بل امتد ليشمل حسابات مؤيدة لإسرائيل، فقد نشر الناشط “إيال ياكوبي” 5 تغريدات استهدفت شابانا، بينها مقطع قديم لها في فعالية مؤيدة لفلسطين حصد 3.3 مليون مشاهدة، وأرفقه بتعليق ساخر: “ها هي وزيرة الداخلية البريطانية الجديدة تهتف للانتفاضة العالمية.. ارقدي بسلام يا بريطانيا”.

كما أعاد الناشط الإسرائيلي “يوسي بن ياكار” استخدام المقطع نفسه، زاعما أن شابانا تدعو إلى “عولمة الانتفاضة”.

غير أن التحقق أظهر أن الفيديو يعود إلى عام 2014، حين شاركت شابانا -بصفتها نائبة في البرلمان- في مظاهرة قانونية ضد الاستيطان الإسرائيلي، دعت خلالها إلى مقاطعة الشركات الداعمة لبناء المستوطنات.

وذهبت المحللة الإسرائيلية إيناف أفيزيمر إلى اتهامها بأنها من “أشد المؤيدين لشعار فلسطين حرة”، مدعية أن الشعار يستخدم في “الدوائر الراديكالية لتفكيك الدول الغربية”.

كما اتهم حساب مؤيد لإسرائيل الوزيرة بأنها “تهديد على المملكة المتحدة” بزعم دعمها لحركة المقاطعة (BDS) وجماعة الإخوان المسلمين، لكنه لم يقدم أي دليل يثبت هذه المزاعم.

وتشير المعطيات إلى أن الحملة المناهضة لشابانا مرشحة للاستمرار، في ظل الاستقطاب المتزايد في بريطانيا حول قضايا الهجرة والأمن، واستمرار المظاهرات المؤيدة لفلسطين، إضافة إلى منصبها الجديد الذي يمنحها سلطة مباشرة على ملفات الهجرة والأمن الوطني والشرطة في إنجلترا وويلز.

وجاء تعيين شابانا ضمن تعديل وزاري واسع النطاق أجراه رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر، بعد استقالة نائبة رئيس الوزراء أنجيلا راينر على خلفية فضيحة ضريبية تتعلق بمنزلها الخاص.

شاركها.