ربما يكون هذا السؤال من أشجع وأصدق الأسئلة التي يمكن أن نواجه بها أنفسنا ونحاكم بها أفكارنا، لنرى إن كانت تقف على أرض صلبة أم مجرّد موروثات رددناها حتى ألفناها دون أن نتوقف لحظة لنسأل: من أين جاءت؟ ولماذا آمنّا بها؟ وهل ما زالت صالحة لهذا الزمن؟

هذا السؤال كثيراً ما يتعثّر في دواخلنا أمام وَهم الراحة واليقين، وطرحه ليس ضعفاً في القناعات ولا هدماً للمسلّمات، بل دعوة لامتحان صلابتها، فالقناعة التي تخشى الامتحان لا تستحق البقاء.

كم من الأفكار تسكننا، فقط لأنها كبرت فينا، كم من المسلّمات تسرّبت إلينا من بيئاتنا الأولى حتى صارت جزءاً من هويتنا دون أن نمنح أنفسنا فرصة لتفكيكها، وكم من القناعات نرددها لأننا لم نعرف غيرها، أو لأننا نخشى أن نجد أنفسنا غرباء بين من يشاركوننا المكان واللغة لكنهم لا يشاركوننا الفهم؟

التاريخ الإنساني مليء بأمثلة لأفكار كانت في وقتها حقائق لا جدال فيها، ثم جاء من تجرأ على السؤال فهدمها أو أعاد تشكيلها، لولا شجاعة هؤلاء في مواجهة السائد لما تقدمت العلوم ولا تحررت المجتمعات من قيود المألوف.

وفي حياتك اليومية يمكن أن يتجلى هذا السؤال في أبسط المواقف، ففي حوارتك وقرارتك عليك أن تمنح نفسك فرصة لتقول: «ربما أكون على خطأ»، بمعنى؛ أن تمنح عقلك مساحة لإعادة النظر ورؤية الأفكار من عدة أوجه.

الاختبار الحقيقي لأي فكرة أو موقف ليس في قدرتك على الدفاع عنه، بل في استعدادك لمساءلته، وما لم يُمتحن بالسؤال يبقى ظناً ولو بدا يقيناً، وربما كان الفيلسوف الأمريكي وعالم الإدراك المعرفي دانييل دينيت شجاعاً بما يكفي حينما قدم يوماً هذا الاختبار وأطلق ذلك السؤال المربك: ماذا لو كنت مخطئاً؟

أخبار ذات صلة

 

شاركها.