|

دمشق- قرب مقبرة جماعية في ريف دمشق جنوبي سوريا تقف المسنة السبعينية أم حسين، بعد أن رجحت فرق الدفاع المدني أن يكون جثمان ابنها الشاب الذي فقد خلال اجتياح قوات النظام المخلوع لغوطة دمشق بين رفات الراقدين في هذه المقبرة.

ويبعث هذا الترجيح القليل من السكينة إلى نفس أم حسين التي قد تجد في المقبرة إمكانية لزيارة ابنها وقراءة الفاتحة على روحه، بعكس صديقتها أم خالد التي لم يصلها أي خبر عن ابنها المفقود في مكان قريب من حي جوبر الدمشقي.

ولا تزال قضية المفقودين في سوريا تمثل أحد أكثر الملفات الإنسانية حساسية وتعقيدا منذ بداية الثورة السورية على نظام بشار الأسد في مارس/آذار 2011، حيث تستمر آلاف الأسر في البحث عن أبنائها الذين اختفوا في ظروف غامضة، ما بين الاختطاف القسري والاعتقال التعسفي، وسط جهود الحكومة الجديدة للكشف عن مصير آلاف المختفين.

ويقدّر عدد المعتقلين أو المختفين قسرا في سوريا بأكثر من 181 ألف شخص، من بينهم 5 آلاف و332 طفلا و9201 سيدة، منذ مارس/آذار 2011 حتى يونيو/حزيران 2025. ومن بين هؤلاء، يُصنف ما لا يقل عن 177 ألف شخص مختفين قسرا.

كشف المصير

وفي سياق ذلك، أعلنت الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا أن عدد الأشخاص الذين فُقدوا خلال عقود من حكم عائلة الأسد وفترة الحرب التي أعقبت الثورة قد يتجاوز 300 ألف شخص.

وتضطلع الهيئة بالكشف عن مصير آلاف المفقودين السوريين في مهمة تبدو من أصعب المهام الحقوقية والإنسانية، وسط كم هائل من المقابر الجماعية، في وقت ينتظر فيه ذوو المفقودين معرفة ما حدث لأبنائهم وأقاربهم.

ويقول رئيس الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا محمد رضا جلخي إن هدف الهيئة الأساسي يتمثل في السعي لكشف مصير جميع المفقودين والمفقودات داخل البلاد وخارجها، مشددا على أنها تعمل حاليا على مسارين متوازيين:

  • الأول توثيق حالات الفقدان بطرق مختلفة وبناء قواعد بيانات وطنية لمحاولة معرفة مصير الضحايا.
  • والثاني تقديم الدعم القانوني والاجتماعي والنفسي لعائلاتهم.

وقال جلخي، في حديثه للجزيرة نت، إن المقابر الجماعية التي اكتشفت حتى الآن تعود بمعظمها إلى فترة الثورة السورية أي ما بعد عام 2011، مضيفا أن الهيئة “لا تمتلك حتى الآن أي معلومات دقيقة عن الجثامين والرفات الموجودة فيها”.

وأشار جلخي إلى أن عملية التعرف على الجثامين والرفات تحتاج إلى وقت طويل وإمكانات كبيرة، نظرا لتعقيد إجراءات تحليل الحمض النووي وأخذ العينات من عائلات المفقودين لمطابقتها.

ومنذ سقوط نظام الأسد في الثامن من ديسمبر/كانون الأول 2024، وتفريغ معظم السجون السورية، تضاءلت آمال ذوي آلاف المفقودين السوريين بالعثور عليهم أحياء، مع ترجيح تقارير حقوقية بمقتلهم تحت التعذيب.

ويؤكد رئيس الشبكة السورية لحقوق الإنسان فضل عبد الغني ضرورة التفريق بين مصطلحي “المختفين قسريا” و”المفقودين” في سوريا، مشيرا إلى أن الأول يُقصد به من تعتقلهم جهة ما وتنكر وجودهم لديها.

ووفق حديث عبد الغني للجزيرة نت، فإن مفهوم المفقودين هو مفهوم أوسع، وليسوا بالضرورة فقدوا، وقد يكونون اعتقلوا أو اختطفوا أو قتلوا ومصيرهم لم يكشف. ويشترك المفهومان بأن المصير غير معروف ومجهول لدى ذويهم والجهات الحقوقية.

وعن التعاون بين المنظمات الحقوقية السورية والهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا، يشير عبد الغني إلى أن هناك تعاونا وتنسيقا وشراكة بين الشبكة السورية لحقوق الإنسان والهيئة، للكشف عن مصير المختفين في سوريا كنوع من العدالة، والكشف عن المتورطين بحوادث الإخفاء والخطف.

آلاف السوريين توافدوا إلى سجن صيدنايا بحثا عن ذويهم المعتقلين عقب سقوط نظام الأسد (الجزيرة)

امتداد الولاية

ومن أبرز ما يميز عمل الهيئة الوطنية للمفقودين في سوريا أن ولايتها تمتد لتشمل ما قبل اندلاع الثورة السورية، بما يلزمها بالعمل على كشف مصير المفقودين خلال حكم رئيس النظام السوري الأسبق حافظ الأسد، وكذلك في عهد ابنه المخلوع بشار الأسد.

وتتمثل رؤية الهيئة، وفق رئيسها محمد رضا جلخي، في الوصول إلى كشف مصير كل مفقود في سوريا حتى آخر شخص، إذ تؤكد أنها معنية بجميع المفقودين والمفقودات على اختلاف أماكنهم وأزمنتهم وانتماءاتهم، بما يشمل أيضا المفقودين من جنسيات أخرى داخل سوريا، وذلك بالتعاون مع الجهات المعنية ذات الصلة.

ووجه جلخي رسالة إلى ذوي المفقودين السوريين بأن من حقهم الاستمرار بالنضال والمطالبة بكشف مصير أحبائهم، مؤكدا أن الهيئة لا تعتبر نفسها جهة منفصلة عنهم، كونها تضع هذه القضية في صلب محور عملها.

شاركها.