الدكتور نزار عبيد مدني ليس دبلوماسياً مخضرماً، أو وزيراً فذاً فقط، وإنما هو أيضا أكاديمي مرموق، له مؤلفات قيّمة في مجال تخصصه (العلوم السياسية/‏ العلاقات الدولية). وقد جمع بين ممارسة الدبلوماسية، كمساعد لوزير الخارجية السعودي، وكباحث أكاديمي، في مجال العلاقات الدولية، لا يشق له غبار. وهذا ما يتضح في مؤلفاته الأكاديمية القيّمة، الناتجة عن بحث علمي متعمق، خاصة في شؤون بلاده العزيزة، المملكة العربية السعودية.

وأهم مؤلفاته، هذه الكتب التسعة التالية عناوينها: دبلوماسي من طيبة، قضايا ومواقف في الفكر السياسي، المستقبل: تأملات استشرافية، سعود الفيصل.. حياته وشخصيته، صدى الكلمة.. كلمات ومحاضرات، أوراق من الجعبة، تأملات سياسي متقاعد، مدخل لدراسة السياسة الخارجية السعودية، المملكة العربية السعودية وحقوق الإنسان. ومؤخراً، أصدر معاليه بحثاً قيّماً، ضمه كتاب بعنوان «المصالح الوطنية السعودية: من التنظير إلى التطبيق». وسوف نلقي الضوء على محتويات هذا الكتاب الهام، والقيّم. علما بأنني سأكتب «مراجعة كتاب» (Book Review) في إحدى الدوريات، محللاً استنتاجاته، علمياً.

****

كما يشير عنوان الكتاب، فإن معاليه بدأ بتنظير مفهوم المصالح الوطنية، كما يحددها علم العلاقات الدولية. حيث تحدث عن التأصيل النظري لمفهوم المصلحة الوطنية (في الفصل الأول). ثم طبق مفهوم المصلحة الوطنية ذاك على المصلحة الوطنية السعودية (الفصل الثاني). وفي الفصل الثالث، يتحدث معاليه عما أسماه المصالح الوطنية السعودية الإستراتيجية. وفي الفصل الرابع، يتحدث عن المصالح السعودية التكتيكية. ثم يختم بخاتمة عنوانها: نحو صياغة جديدة للمصلحة الوطنية السعودية.

وفي الواقع، فإن تنظيم هذا البحث يعتبر متميزاً وممتازاً. فالمؤلف هنا، بدأ بتعريف «المصلحة الوطنية» لأي دولة، وكما يحددها علم السياسة والعلاقات الدولية. ثم قسّم «المصلحة الوطنية السعودية» إلى قسمين: المصلحة الوطنية الإستراتيجية السعودية، والمصلحة الوطنية التكتيكية السعودية. وقدم، في نهاية بحثه، توصيات هامة عما ينبغي أن تكون عليه المصلحة الوطنية السعودية، من منطلق خبرة طويلة، وممارسة حكيمة، وولاء تام لوطنه.

****

حسم علم السياسة والعلاقات الدولية الأمر، بأن حدد أهم ما تسعى الدولة، أي دولة، لتحقيقه، خارج حدودها، فأهم أهداف السياسة الخارجية، لأي بلد، تقسّم إلى شقين رئيسيين، هما كالتالي:

– الأهداف القومية الحقيقية: كما يحددها حكام الدولة، وواضعو سياساتها الخارجية. ويلاحظ، أن المقصود بكلمة «الحقيقية»، هو استبعاد الأهداف الوهمية.. أو الأهداف التي قد تدعي الدولة (باطلاً) أنها تسعى لتحقيقها.. وهناك من علماء العلاقات الدولية (الواقعيون)، من يضغطون هذه الأهداف (مجتمعة) في هدف واحد.. هو (في رأيهم): القوة، أو السعي من أجل القوة (Struggle for Power).. والمقصود بـ«القوة» هنا، هو القوة بكل عناصرها، المادية والمعنوية.. أي القوة بنوعيها الخشن والناعم.

****

والتحليل الموضوعي لـ«المصلحة القومية» (الأهداف القومية) يوضح بأن أهم الأهداف القومية، المتفرعة من هذا الهدف الرئيسي، تتلخص في التالي:

– حماية السيادة الإقليمية للدولة، والحفاظ على أمنها القومي:

كل دولة (ممثلة بحكومتها) تسعى، بالطبع، أول ما تسعى، للحفاظ على وجودها وبقائها.. ودفع أي تهديد، حال أو متوقع، يمكن أن يهدد بقاءها، كما تريد. وقد ارتبط وجود الدولة بأمنها.. أي بعدم تهديد كيانها، وأسلوب تواجدها، ومصالحها وقيمها. لذلك، يعتبر الحفاظ على «أمن» الدولة الوطني (أو القومي) من أول الأهداف التي تسعى حكومة الدولة لتحقيقها، على الساحتين المحلية والدولية.

– تنمية إمكانيات القوة للدولة:

ويعني سعي حكومة الدولة إلى تنمية عناصر قوتها، الخشنة والناعمة، لأقصى حد ممكن، وبكل الوسائل الممكنة والمتاحة.

– تدعيم الرفاه الاقتصادي للدولة:

تعمل كل دولة في العالم -تقريباً- على دعم نموها الاقتصادي، وزيادة ثرائها المادي.. فمدى قوتها، على الساحة الدولية، وبالتالي مدى قدرتها على تحقيق أهدافها، يعتمد على عدة عناصر، منها: القوة الاقتصادية. وكثيراً من دول العالم الكبرى تحاول أن تثري بشتى الطرق الممكنة، حتى ولو على حساب الدول الأخرى الأقل قوة، وخاصة الدول النامية (الضعيفة).

– تحقيق «السلام»، وفق شروط الدولة:

وربما يكون من ضمن أهداف الدولة، هو فرض السلام في منطقة أو مناطق معينة، خارج حدودها، وفق شروطها.. وبما يسهم في النهاية في تمكين الدولة من تحقيق بقية أهداف سياستها الخارجية، بتكلفة أقل.

أما الأهداف العقائدية (الأيديولوجية) الحقيقية: فهي الأهداف العقائدية (الأيديولوجية) الفعلية، التي ترمي الدولة إلى تحقيقها.. سواءً أعلنت ذلك، أم أخفته.

****

وانطلاقاً من هذا التنظير، حدد معالي الدكتور نزار، المصلحة الوطنية السعودية العليا، في النقاط التالية:

– المحافظة على وجود الدولة وبقائها وحماية كيانها السياسي واستقلالها.

– الدفاع عن الإسلام، وحماية المقدسات الإسلامية.

– تحقيق أعلى مستوى ممكن من التطور والتقدم للدولة، ومن الرفاه والرخاء للمواطنين: متلازمة النفط والاقتصاد.

أما «المصالح الوطنية السعودية الإستراتيجية»، فقد حصرها المؤلف في التالي:

– المصالح الوطنية الإستراتيجية الخاصة بحدود المملكة الجنوبية.

– المصالح الوطنية الإستراتيجية الخاصة بحدود المملكة الشمالية.

– المصالح الوطنية الإستراتيجية الخاصة بحدود المملكة الشرقية.

و«المصالح الوطنية التكتيكية السعودية» تتجلى في التالي:

– محاربة التطرف والإرهاب.

– البعد الإقليمي للمصالح الوطنية التكتيكية: الانتماء العربي.

– البعد الدولي للمصالح الوطنية التكتيكية: متلازمة استتباب الأمن والسلم والاستقرار على المستوى الدولي، وعلاقات المملكة الدولية.

****

إنه كتاب مهم، ومواضيعه حيوية، تهم الباحثين، وغيرهم، ويستحق المزيد من الدراسة. لذا، ستكون لنا وقفة لاحقة مع هذا الفكر الراقي.

أخبار ذات صلة

 

شاركها.