حذّر أطباء وخبراء من اتساع انتشار ظاهرة «الأطفال الإنفلونسرز»، أو «الأطفال المؤثرين»، الذين يشاركون في إنتاج محتوى على منصات التواصل الاجتماعي، ويصبحون مؤثرين في آراء وسلوكيات جمهورهم، وخصوصاً الأطفال الآخرين والمراهقين، وأكد أطباء وخبراء أن دخول الطفل عالم الشهرة في سن مبكرة يُربك إحساسه بذاته، في وقت لاتزال مشاعره وعقله في طور النمو، كما أشاروا إلى أن بعض الآباء يصادرون أحلام أطفالهم بقصد أو بغير قصد، عبر إسقاط طموحاتهم الشخصية على أبنائهم، فيدفعونهم إلى دائرة الضوء، سعياً وراء الإعجاب أو الشهرة التي لم يحققوها هم أنفسهم.

وقالوا لـ«الإمارات اليوم»، إن «الأطفال الإنفلونسرز» الذين يظهرون في مقاطع فيديو وصور على منصات التواصل، لتقديم محتوى مثل الألعاب والتحديات والترفيه والمراجعات والإعلانات، يتعرضون لخمسة مخاطر تشمل «تعريضهم للاستغلال التجاري المبكر، وزيادة احتمالية الإصابة بمشكلات نفسية، مثل القلق والاكتئاب وضعف تقدير الذات، والتأثير السلبي في النمو الاجتماعي وصعوبة الاندماج الواقعي، وتطبيع فكرة انتهاك الخصوصية منذ الصغر، إضافة إلى خطر التنمر الإلكتروني». وطالبوا بضرورة وضع إجراءات تمنع ظهور الأطفال دون سن الـ14 في المحتوى الرقمي العام، باعتبار أن هذه الفئة العمرية لا تمتلك النضج الكافي لمواجهة تبعات الظهور العلني، أو التعامل مع الانتقادات والتعليقات السلبية.

ورصدت «الإمارات اليوم» انتشاراً متسارعاً لظاهرة «أطفال إنفلونسرز» أو «الأطفال المؤثرين» على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يظهر أطفال لا تتجاوز أعمارهم 12 أو 14 عاماً، وهم يوثّقون يومياتهم عبر فيديوهات مرئية (فلوجات)، ويكشفون تفاصيل حياتهم الخاصة بدقة، بينما يشارك آخرون في إعلانات تجارية برفقة أهاليهم، أو يُقلّدون مؤثرين أو مشاهير في أساليب حديثهم وحركاتهم، لكسب تفاعل المتابعين ويُقدّمون محتوى توعوياً ويدعون أقرانهم إلى استخدام منتجات لا تناسب أعمارهم.

وتباينت آراء عدد من أولياء الأمور حول الظاهرة، بين من يراها فرصة لتنمية شخصية الطفل وصقل مواهبه، ومن يعتبرها تهديداً مباشراً لبراءته وتوازنه النفسي وضياع أحلامه، واختار بعضهم منع أبنائهم من إنتاج هذا النوع من المحتوى، لما يحمله من آثار سلبية على بناء علاقاتهم الحقيقية.

قصص واقعية

وتفصيلاً، قالت (أم تولين): «ابنتي تبلغ 11 عاماً، وتعشق الكاميرا، وتبتكر محتوى يناسب عمرها حول الأنشطة اليدوية للتسلية في العطلة، لذلك لم أمانع تصويرها لهذه الأنشطة، فهي مفيدة لها وللأطفال في مثل عمرها»، مضيفة أنها تشرف شخصياً على صفحة ابنتها في «إنستغرام».

وفي المقابل يختلف الرأي لدى والد «ميسم» الذي يقول: «ابنتي ترغب في إنتاج فيديوهات على حساباتها في مواقع التواصل، لكنني أرفض تماماً أن تتحول إلى أداة للعرض اليومي، فهي طفلة يجب أن تعيش سنّها، وتتواصل مع أصدقائها مباشرة، لتبني علاقات قوية وحقيقية».

أما (أم مازن) فتؤكد أن موقفها محسوم تجاه أبنائها الثلاثة، موضحة: «أرفض تماماً دخولهم عالم المحتوى الرقمي، ولا أريد أن يقيسوا قيمتهم في المجتمع بعدد المتابعين أو الإعجابات، وأريدهم أن يلعبوا ويمارسوا أنشطتهم اليومية بحرية، بعيداً عن أي قيود أو ضغوط نفسية».

عالم الشهرة

وحذّر استشاري الطب النفسي، الدكتور رياض خضير، من أن دخول الطفل عالم الشهرة في سن مبكرة قد يُربك إحساسه بذاته، في وقت لاتزال فيه مشاعره وعقله في طور النمو، موضحاً أن هذا قد يجعله يعتمد على الإعجابات والاهتمام الخارجي لتقدير نفسه، حيث يقيس الطفل قيمته من خلال الشاشة بدلاً من تجارب الحياة الواقعية، ويشعر بضغط مستمر ليكون دائماً «مثالياً» أو سعيداً حتى عندما لا يكون كذلك، ما يجعله أكثر عرضة لمشكلات نفسية كالقلق والتوتر والاكتئاب، ويحرم الطفل فرصة النمو الطبيعي.

وأشار إلى أن «ضغط الجمهور» والتعليقات السلبية عبر تلك المنصات، يمكن أن تؤثر بشكل بالغ في صورة الأطفال الذاتية وثقتهم بأنفسهم، إذ أنهم يجدون صعوبة في فصل النقد عبر الإنترنت عن هويتهم الحقيقية، وقد يعتقدون أنهم غير جيدين أو غير جذابين بما يكفي، ما قد يقودهم إلى القلق أو الخجل أو الخوف من التعبير عن أنفسهم بحرية، وفي الحالات الخطرة إلى الانسحاب أو الاكتئاب.

وأوضح أن هناك علامات تحذيرية تُظهر تأثر الطفل سلباً بنشاطه على وسائل التواصل، من أبرزها تحوّله من الاستمتاع بالتفاعلات الاجتماعية إلى الانعزال أو تقلب المزاج، أو انشغاله المفرط والهوس بمظهره وعدد متابعيه، أو حساسيته المفرطة للتعليقات، إضافة إلى تجنّب الأنشطة الواقعية أو إظهار القلق أو الحزن بعد استخدام الإنترنت، لافتاً إلى أنه «غالباً ما يعيش الأطفال اليوم (حياة رقمية مزدوجة) يبتسمون أمام الكاميرا، بينما هم يشعرون بالإحباط»، مشدداً على ضرورة انتباه الآباء لأي تغيّر في النوم، أو عادات الأكل أو المزاج أو الأداء الدراسي، باعتبارها مؤشرات واضحة على التأثير السلبي.

وأكد أن بعض الآباء يسقطون طموحاتهم الشخصية على أطفالهم من خلال هذه الحسابات، فيدفعونهم إلى دائرة الضوء بحثاً عن الإعجابات أو الرعاية أو الشهرة والنجاح التي لم يحققوها هم أنفسهم، مبيناً أن بعض الأطفال قد يستمتعون بالتجربة والبعض الآخر قد يشعرون بالضغط أو الخوف من خذلان والديهم، أو يشعرون أنهم مضطرون «للأداء» ليحظوا بالحب، وأن الطفولة يجب أن تبقى مساحة للاكتشاف والمتعة، لا مطاردة الشهرة لتحقيق أحلام الآخرين، وأن الطفل يحتاج إلى مساحة خاصة للنمو وارتكاب الأخطاء والتصرف على طبيعته، بعيداً عن الرقابة الدائمة للجمهور.

نمو الأطفال

وأوضحت استشاري الطب النفسي والعلاقات الزوجية والأسرية، الدكتورة أمل أبوالعلا، أن العصر الرقمي جعل الأطفال جزءاً من مشهد إعلامي واجتماعي متسارع، حيث تنتشر مقاطع الفيديو والصور على منصات التواصل الاجتماعي، وتُمنح الشهرة بسهولة بضغطة زر.

وأكدت أن الطفل في سنواته الأولى لا يمتلك المهارات المعرفية الكافية لتمييز الفرق بين العالم الافتراضي والحياة الواقعية، إذ يتفاعل مع ما يراه على الشاشة بالطريقة نفسها التي يتفاعل بها مع الواقع، محذّرة من أن التعلق الزائد بمواقع التواصل يخلق انفصالاً عن الواقع، ويؤثر سلباً في النمو العاطفي والاجتماعي للطفل.

وأضافت أن الشهرة قد تؤثر في علاقات الطفل مع زملائه في المدرسة، إذ قد يواجه نوعين من العلاقات: إما سطحية قائمة على الإعجاب أو الحسد، أو عزلة اجتماعية بسبب اختلاف أسلوب حياته، موضحة أن الطفل المشهور قد يجد صعوبة في بناء صداقات حقيقية، لأنه اعتاد على التصفيق والإعجاب أكثر من التفاعل الصادق، كما قد يشعر أقرانه بأن لديه «حياة مختلفة»، ما يعيق الاندماج الطبيعي.

وشددت على أن حماية الأبناء من إدمان الأضواء تبدأ من وعي الأهل، مؤكدة أن الطفل لا يحتاج إلى الظهور أمام الجمهور ليكون مميزاً، وأنه من الضروري تعزيز مفهوم القيمة الذاتية الداخلية، لا المرتبطة بعدد المتابعين أو حجم الشهرة، داعية إلى تحديد أوقات استخدام الشاشات وتوجيه الطفل نحو أنشطة واقعية، مثل الرياضة والفنون وبناء العلاقات الاجتماعية، مع استشارة الطبيب النفسي عند ملاحظة علامات القلق أو التعلق المرضي بالشهرة.

ودعت إلى ضرورة عدم إشراك الأطفال دون سن الـ14 في أي محتوى رقمي عام، خصوصاً المحتوى المرتبط بكشف هويتهم الشخصية، وأن هذه المشاركات قد تلاحقهم في المستقبل وتؤثر في صورتهم الذاتية أو تُعرّضهم للتنمر الرقمي، مطالبة بضرورة سنّ قانون أو تشريع واضح يمنع ظهور الأطفال قبل هذا العمر، حيث إن حماية الطفل من التعرض المبكر للأضواء يجب أن تكون مسؤولية مجتمعية وقانونية مشتركة، للحد من المخاطر النفسية والاجتماعية التي قد تلاحقه مستقبلاً.

وأكدت أن استخدام التكنولوجيا ليس مرفوضاً، لكن الوعي والمسؤولية في التعامل معه أمران أساسيان، قائلة: «من واجبنا أن نمنح أطفالنا حقهم في الطفولة، بعيداً عن ضغط الأضواء، ونساعدهم على بناء شخصياتهم على أسس ثابتة تفيدهم في المستقبل، لا على إعجابات مؤقتة ستنحسر عنهم بمجرد وصول مشهور آخر إلى نقطة الضوء ويتصدر (الترند)، ما قد يؤدي إلى نتائج وخيمة على صورتهم الشخصية وإحساسهم بذواتهم».

مصدر خطر

وأكدت الاستشارية التربوية وخبيرة سلوكيات الأطفال والمراهقين، ليلى أبوطرابي، أن السنوات الأخيرة شهدت بروز ظاهرة «الأطفال الإنفلونسرز» بقوة على المشهد الرقمي، في ظل الانتشار الواسع لمنصات التواصل الاجتماعي وتغير طبيعة المحتوى الاستهلاكي لدى الجمهور، معتبرة أن هذه الظاهرة تحمل أبعاداً نفسية واجتماعية وتربوية متعددة، مؤكدة أهمية عدم النظر إليها بسطحية، بل فهم تأثيرها في الطفل في مختلف الجوانب، سواء من حيث نموه أو هويته أو علاقاته أو صورته الذاتية.

وأوضحت أن الطفل الذي يمتلك رغبة حقيقية في مشاركة محتوى يُعبّر عنه، ويشعر بالراحة في الظهور، ويتمتع بحرية التعبير الإيجابي، يمكن أن تكون التجربة بالنسبة له فرصة مميزة على مستويات عدة، من بينها تعزيز ثقته بنفسه، وتنمية مهاراته الشخصية، مثل التحدث بطلاقة، والالتزام بالمواعيد، والتفكير الإبداعي، إضافة إلى فتح أبواب مهنية مبكرة.

وحول سلبيات الظاهرة، قالت إنه في حال فُرض على الطفل الظهور دون رغبته، أو جرى استغلاله تجارياً، أو غابت الضوابط التربوية، فإن التجربة قد تتحول إلى مصدر خطر حقيقي على نموه النفسي والاجتماعي، مشيرة إلى أن أبرز هذه المخاطر يتمثل في تشوّه الهوية النفسية، والضغط النفسي والتوتر، وحرمان الطفل من طفولته الطبيعية، ودخوله في عزلة اجتماعية، فضلًا عن الاستغلال التجاري له بعد تحوّله إلى مصدر دخل إضافي للعائلة.

وقدّمت مجموعة من النصائح للأهل، أبرزها تأمين التوازن للطفل بين حياته اليومية الطبيعية، مثل اللعب مع الأصدقاء، والدراسة والتواصل الاجتماعي مع العائلة، وبين تقديم المحتوى الهادف الذي يرغب فيه على منصات التواصل الاجتماعي، كما دعت إلى تعليم الأطفال حماية خصوصيتهم، من خلال تعريفهم بما يمكن نشره وكيفية الرد على التعليقات، مع اللجوء إلى استشارة تربوية أو نفسية في حال ظهور مؤشرات سلبية، مثل القلق أو الاضطراب أو الاكتئاب.

حماية الطفل

وأكدت المحامية والمستشارة القانونية أمينة الأحمد، أن القانون الاتحادي رقم (3) لسنة 2016 بشأن حقوق الطفل، المعروف بـ«قانون وديمة»، يُمثّل إطاراً تشريعياً شاملاً يرسخ حماية حقوق الأطفال في دولة الإمارات، ويضمن تنشئتهم في بيئة آمنة تحترم كرامتهم وتُحقق المصلحة الفضلى لهم، سواء في الواقع المادي أو في البيئة الرقمية التي أصبحت جزءاً من حياتهم اليومية.

وأوضحت أن المشرع الإماراتي أولى حماية خصوصية الطفل أهمية خاصة، فنص صراحة على حظر التعرض لحياته الخاصة أو نشر معلومات أو صور قد تؤدي إلى الإساءة إليه أو استغلاله، وذلك بما لا يتعارض مع الآداب العامة، مع مراعاة حقوق ومسؤوليات ولي الأمر أو الوصي القانوني. كما شددت على أن الطفل، قبل بلوغه سن الرشد القانونية، لا يملك حق الموافقة أو الرفض المباشر على نشر صوره أو بياناته، بل تُمارَس هذه الصلاحية من خلال ولي الأمر الذي يتحمل المسؤولية الكاملة في ضمان أن أي نشر يتم، سيخدم مصلحة الطفل ويحميه من أي ضرر أو استغلال.وأشارت إلى أن القانون شدد على أولوية المصلحة الفضلى للطفل، وحمايته من الإهمال أو الاستغلال أو سوء المعاملة، وألزم المعلمين والأطباء وغيرهم بالإبلاغ عن أي حالات يُشتبه فيها بوقوع أذى أو استغلال، مع منح الجهات المختصة، مثل وحدات حماية الطفل والشرطة، صلاحية التدخل الفوري ونقل الطفل إلى بيئة آمنة، وإصدار أوامر قضائية عاجلة لضمان سلامته.

وحذّرت من أن المحتوى الذي ينشره الأهل عن أطفالهم قد يُشكّل انتهاكاً لخصوصية الطفل أو تعدياً على حقه في الطفولة، إذا احتوى على ما يسبب الحرج أو يكشف خصوصياته أو يستغله تجارياً دون مراعاة مصلحته، مؤكدة ضرورة إشراك الطفل في القرارات المتعلقة بظهوره الإعلامي إذا كان في سن يسمح له بالتعبير عن رأيه، مؤكدة أن حماية الطفل مسؤولية مجتمعية وقانونية مشتركة، وأن الأهل يُمثّلون خط الدفاع الأول، مدعومين بتشريعات واضحة وإجراءات عاجلة تضع كرامة الطفل وحقوقه في مقدمة الأولويات.


منى طحنون: الانخراط المبكر في «السوشيال ميديا» يخلق أجيالاً تنظر إلى قيمتها الذاتية بالأرقام

    منى طحنون. من المصدر

قالت عضو المجلس الوطني الاتحادي، منى طحنون: «في السنوات الأخيرة برزت ظاهرة ظهور الأطفال في أعمار صغيرة كمؤثرين على منصات التواصل الاجتماعي، يقدّمون محتوى متنوعاً يجذب ملايين المشاهدات والمتابعين، وعلى الرغم من أن البعض يراه فرصة لإبراز المواهب ودعم الإبداع، فإن هذه الظاهرة تثير قلقاً متزايداً بشأن تأثيرها في صحة الأطفال النفسية والاجتماعية، ومستقبلهم».

وأضافت: «الانخراط المبكر في عالم الشهرة الرقمية قد يُعرّض الأطفال لضغوط نفسية غير مناسبة لأعمارهم، ويؤثر في خصوصيتهم، بل قد يُعرّضهم للاستغلال التجاري المباشر أو غير المباشر، وأيضاً قد يُغيّر طبيعة العلاقات الأسرية، ويؤثر في أساليب التربية، ما يخلق أجيالاً تنظر إلى قيمتها الذاتية من خلال الأرقام والمتابعات».

وتابعت: «ندعم التوجّه نحو وضع تشريعات أو ضوابط واضحة، مثل تحديد سن أدنى (على سبيل المثال 14 عاماً)، للسماح للأطفال بالظهور في المحتوى الرقمي العام لأغراض تجارية أو تسويقية، مع ضمان خضوع ذلك لموافقات ورقابة مختصة، أسوة بالقوانين المنظمة لعمل الأطفال في قطاعات أخرى».

وأشارت إلى أنها ستعمل على دراسة هذه الظاهرة بشكل موسّع، وبحث إمكانية التقدّم بسؤال برلماني حول هذا الموضوع، بما يضمن تعزيز حماية الأطفال في ظل التطور والتقدّم في استخدام التكنولوجيا، وخلق جيل واع يمتلك مهارات رقمية آمنة، ويحافظ على خصوصيته وقيمه، ويعزز التماسك الأسري، ويوازن بين حياته في العالم الافتراضي وتفاعله الواقعي مع محيطه، بعيداً عن أي استغلال أو تأثيرات سلبية قد تمس نموه النفسي والاجتماعي.

شاركها.