«بهار هوشمند» صغيرة جداً لتتذكر رحلتها من مدينة كابول الأفغانية إلى مدينة «إنديانا بوليس» الأميركية، فرّت عائلتها بعد انهيار العملية الأميركية الطويلة في أفغانستان، قبل أربع سنوات من الآن.
ومع استعادة حركة «طالبان» السيطرة، عرفت والدتها أن أشخاصاً مثلهم، ممن دعموا الجيش الأميركي، سيكونون أهدافاً في ظل النظام الجديد، وهكذا سافروا إلى الولايات المتحدة، لتُكوّن «بهار» صداقات في روضة الأطفال وتحب اللون الوردي.
إلا أن والدة «بهار»، ناجية شيرزاد، مثل العديد من اللاجئين الأفغان، تشعر بقلق على أفراد عائلتها الذين مازالوا تحت حكم «طالبان»، ولأكثر من 10 سنوات، عملت في وظيفة مصرفية تدعم الجيش الأميركي، وهي الآن آمنة في الولايات المتحدة مع إقامة دائمة قانونية وتعمل مديرة لإعادة توطين اللاجئين في منظمة «باتشوورك إندي» غير الربحية.
وتقول شيرزاد إن «طالبان» زارت منزل عائلتها في أفغانستان، ومثل غيرها من الأفغان في الولايات المتحدة، لاتزال تأمل في لمّ شملها مع أفراد عائلتها.
ومع ذلك، يخشى كثيرون ممن هم في مثل وضعها من أن فرص ذلك تتضاءل بشكل متزايد، وحتى مع استمرار المدافعين من كلا الحزبين «الجمهوري» و«الديمقراطي» في الضغط على الحكومة الأميركية لمساعدة الأفغان الذين ساعدوا الجهود الأميركية، فإن تحول إدارة الرئيس، دونالد ترامب، في أولويات الهجرة من «المساعدة الإنسانية» إلى «الترحيل» قد أنهى أو ضيّق بشكل كبير مسارات الدخول إلى الولايات المتحدة.
وضع مأساوي
علّقت الإدارة الأميركية برنامج قبول اللاجئين الأميركي، كما خفضت الحكومة مساعدات إعادة التوطين للأفغان في الخارج، وقد تُستخدم قريباً قاعدة عسكرية في «إنديانا» كانت تؤوي عائلة هوشمند ونحو 7600 أفغاني آخرين أجلتهم الولايات المتحدة، لاحتجاز المهاجرين.
ويقول الأستاذ المساعد في التاريخ بجامعة لويولا بولاية ماريلاند، بهار جلالي: «هناك الكثير من عدم اليقين بشأن ما سيحدث»، لافتاً إلى أن الوضع مأساوي للغاية بالنسبة لأفراد عائلاتهم الذين تُركوا خلفهم، ويضيف: «من وجهة نظر (طالبان) هم مذنبون بالتبعية».
المترجمة «سميرة»
في صيف عام 2021، أحرقت الطالبة الجامعية الأفغانية (سميرة)، الأوراق التي تربطها بالحكومة الأميركية، ومع استعداد «طالبان» لاستعادة أفغانستان أدركت (سميرة) أن تلك الوثائق المرتبطة بعملها كمترجمة تُشكل خطراً.
ومثل العديد من الأشخاص الذين تمت مقابلتهم لهذه القصة، طلبت (سميرة) من صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» استخدام اسمها الأول فقط لحماية أقاربها الذين مازالوا في أفغانستان، في وقت كانت فيه عائلتها تستعد لاستيلاء حركة «طالبان» على السلطة، فحولت الوثائق إلى «صيغة رقمية» وأحرقت الكتب الإنجليزية.
وتتذكر (سميرة) مشاهدة المراسلين على التلفزيون قبل أربع سنوات وهم يعجزون عن الكلام، خلال توثيقهم سقوط كابول في أيدي الحكام الجدد، وتقول: «بدأنا جميعا بالبكاء، لأننا لم نكن نعرف ماذا نفعل».
وتضيف الطالبة الجامعية أنها انجذبت للعمل في الولايات المتحدة، لأنها توقعت من صاحب عملها احترام هويتها العرقية، كونها تنتمي إلى «هزارة»، وهي جماعة تعرضت للتمييز والهجمات في أفغانستان، والآن تقول إن زملاءها السابقين في أفغانستان سُجنوا وعُذبوا على يد «طالبان»، واستهدفوا بسبب تعاونهم مع الأميركيين.
التزام أخلاقي
بعد فرارها من أفغانستان، وانتظارها في ألبانيا مع أختها المراهقة لما يقرب من عامين، دخلت (سميرة) الولايات المتحدة عام 2023 بتأشيرة هجرة خاصة، وهي الآن حاصلة على «البطاقة الخضراء»، حيث يُسمح لها بالعمل، كما يمكن لأختها الالتحاق بالمدرسة.
ومع ذلك، فإن وجود والديها في أفغانستان ليس أمراً مريحاً للطالبة الأفغانية، فهي تحاول جاهدة استقدامهما إلى الولايات المتحدة من خلال التماس لمّ شمل الأسرة، وتقول: «أريد إنقاذهما، وجمع العائلة من جديد».
ويعتقد العديد من المدافعين عن هؤلاء الأفغان أن الولايات المتحدة ملزمة أخلاقياً واستراتيجياً بتسهيل عمليات لمّ الشمل هذه، وحتى لو لم تكن فرصة القدوم إلى الولايات المتحدة جزءاً صريحاً من العقود الحكومية مع الأفغان، فقد كان هناك توقع بحماية المتعاونين وعائلاتهم، كما يقول أندرو سوليفان، وهو من قدامى المحاربين في أفغانستان والمدير التنفيذي لمنظمة «لا أحد يُترك»، وهي منظمة غير ربحية تساعد في نقل المتعاونين الأفغان إلى الولايات المتحدة.
ويضيف سوليفان: «كان من المفهوم على نطاق واسع عند الأفغان الذين خاطروا بأنفسهم، والتحقوا بالخدمة مع الأميركيين، والتحقوا بالدوريات ومواجهة العبوات الناسفة على جانب الطرق والقناصة والمعارك، وما إلى ذلك، أنه إذا خدموا بإخلاص لمدة عام فإن برنامج تأشيرة الهجرة الخاصة هذا، الذي كان محظوراً بموجب القانون الأميركي، سيكون موجوداً لمساعدتهم»، وتابع: «كان ذلك مفهوماً من قبل القوات الأميركية».
وأوضح أن الولايات المتحدة لم تبذل ما يكفي من الجهد للوفاء بهذه الوعود، لكنه لا يُلقي باللوم على عاتق أي إدارة، كما يقول، إذ لعب تقاعس الكونغرس دوراً في ذلك.
ويقول سوليفان إنه وإلى جانب السلامة المباشرة للعائلات الأفغانية، هناك أيضاً قلق مرتبط بالأمن القومي الأميركي على المدى الطويل، ويضيف: «ستتجه الولايات المتحدة إلى الخارج مرة أخرى، وأخشى أنه إذا لم نحسن معاملة حلفائنا الأفغان، حلفاء أطول حروبنا، فلن يكون لدينا هؤلاء المواطنون المحليون الذين سيخدمون معنا، لأنهم ببساطة لن يثقوا بالأميركيين بعد الآن».
دعم اللاجئين
بعد سقوط كابول في أيدي «طالبان»، في 15 أغسطس 2021، أدت عمليات الإجلاء المتسرعة، بما في ذلك على متن طائرات عسكرية، إلى وصول عشرات الآلاف من الأفغان إلى القواعد الأميركية، وغادرت آخر رحلة عسكرية أميركية أفغانستان في 30 أغسطس 2021.
في ذلك الوقت، قال معظم المستطلعة آراؤهم إنهم يفضلون قبول الأفغان كلاجئين إذا عملوا مع الحكومة الأميركية أو الأفغانية خلال الحرب، واجتازوا الفحوص الأمنية، وقد بلغت نسبة دعم الديمقراطيين 76%، يليهم الجمهوريون بنسبة 74%، كما تأثر أميركيون مثل محامية الأعمال المتقاعدة، تيريزا توريس، بالمساعدة والرعاية، ففي عام 2022 تعلمت توريس كيفية دعم الأفغان الوافدين إلى «إنديانا بوليس».
في البداية كانت تأخذ اللاجئين إلى مواعيد طبيب الأسنان، ثم ساعدت ثلاث نساء في الحصول على رخص قيادة بعد مرافقتهن في جولات تدريبية وتزويدهن بمترجمين.
وتقول توريس: «شعرت وكأنني قضيت معظم حياتي المهنية بصراحة في مساعدة الأثرياء على زيادة ثرواتهم، لم أساهم كثيراً في خدمة الإنسانية». عن «كريستيان ساينس مونيتور»
مخاوف أمنية
في عام 2022، وجد مفتش عام فيدرالي في عهد إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، مخاوف بشأن فحص الأفغان الذين تم إجلاؤهم، بما في ذلك بيانات شخصية خاطئة أو مفقودة.
ويقول تقرير هيئة الرقابة إن وزارة الأمن الداخلي: «ربما سمحت أو أطلقت سراحاً مشروطاً لأفراد في الولايات المتحدة، يُشكلون خطراً على الأمن القومي وسلامة المجتمعات المحلية».
وأعرب الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي لم يمانع في جلب المزيد من الأفغان الذين فروا بعد الانسحاب الأميركي، عن هذه المخاوف الأمنية، وقال في فعالية بالبيت الأبيض الشهر الماضي: «نعرف الجيدين، ونعرف من قد لا يكون جيداً».
العائلات الأفغانية تواصل ترسيخ جذورها
«بهار » برفقة والدتها. من المصدر
على الرغم من حالة عدم اليقين، تواصل العائلات الأفغانية ترسيخ جذورها، فقد أنجبت ناجية شيرزاد وزوجها طفلهما الرابع في الولايات المتحدة واشتريا منزلاً.
وفي مجتمع «إنديانا بوليس» الأوسع، لم تتعلم بعض الزوجات الأفغانيات (وغالباً ما يكنّ ربات بيوت)، القراءة أو الكتابة بلغة البلد المضيف.
ومن خلال المركز المجتمعي الأفغاني الأميركي الذي أسسته، رتبت شيرزاد دروساً مجانية في اللغة الإنجليزية للنساء في «جمعية الشبان المسيحية»، وتخطط لبدء دروس تعليم قيادة السيارات للنساء «حتى يصبحن مستقلات»، وفق قولها.
وفي إحدى الحصص بعد الظهر، انحنت أكثر من 12 امرأة برؤوسهن على أوراق، وأقلامهن ترتعش في قبضاتهن.
الطالبة في الصف، فخرية جمال، وهي لاجئة، تقول إنها انتظرت أشهراً في باكستان قبل وصولها، وتكتب بقلم أزرق وخط ثابت: «أذهب إلى المدرسة يومياً»، وعلى الجانب الآخر من الغرفة، تستعرض مجموعة نساء أيام الأسبوع، وعند سؤالهن إن كان لديهن أفراد من عائلاتهن عملوا مع الحكومة الأميركية، رفع معظمهن أيديهن.
سحب تأشيرات الهجرة
أجرت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» مقابلات مع ثلاثة أفغان من حاملي البطاقة الخضراء «غرين كارد»، الذين حصلوا على تأشيرات هجرة خاصة قبل سنوات، ثم تلقوا رسائل من وزارة الخارجية، في فبراير ومارس 2025 تفيد بسحب الموافقة الأساسية.
ويقول حاملو «البطاقة الخضراء» إنهم يعرفون عدداً أكبر بكثير من الأفغان في الولايات المتحدة، الذين تلقوا هذا الإشعار، ما يثير الشكوك حول مستقبل وضعهم القانوني.
وتشير الرسائل، التي اطلعت عليها صحيفة «ذا مونيتور»، إلى نقص «الوظائف المؤهلة» و«الوثائق الكافية».
ولم تستجب وزارة الخارجية ولا دائرة خدمات المواطنة والهجرة الأميركية لطلبات التوضيح ذات الصلة، ويقول (محمد)، وهو مهندس مدني في كاليفورنيا وأحد حاملي البطاقة الخضراء المتأثرين بالقرار: «لقد كان الأمر مُربكاً حقاً».
وإضافة إلى استئنافه قرار الإخطار، يقول (محمد) إنه تقدم أخيراً بطلب لجوء، مؤكداً أنه يخشى فقدان وضعه القانوني في الولايات المتحدة.
. العديد من المدافعين عن اللاجئين الأفغان يعتقدون أن الولايات المتحدة مُلزَمة أخلاقياً واستراتيجياً بتسهيل عمليات لمّ شمل العائلات التي ساعدتها.