موظفٌ يقضي ساعات في البحث عن ملف مفقود بين الأوراق، بينما القرار المصيري ينتظر توقيعه؛ هذا كان واقع أغلب المؤسسات قبل عقود، إذ كانت الإدارات تعتمد على التوثيق الورقي والخطوات اليدوية في كل عملية، ومنذ خمسينيات القرن الماضي؛ جاء التغيير ببطء للواقع بوجود الحواسيب العملاقة، مروراً بعصر الحواسيب الشخصية و«الويب» في الثمانينيات والتسعينيات، لتبدأ أولى خطوات التحول الرقمي التي مهدت الطريق لإعادة التفكير في طريقة عمل المؤسسات.
مع بداية الألفية (2000–2010)؛ تغيّر المشهد بسرعة أكبر: البريد الإلكتروني، الإنترنت التجاري، وأنظمة متابعة العمليات أعادت ترتيب أولويات المؤسسات، إذ لم يعد التحول الرقمي مجرد دعم، بل أداة لزيادة الكفاءة، ومتابعة العملاء، وتسريع الخدمات، فالمؤسسات التي تبنت هذه الأدوات صارت قادرة على تلبية احتياجات السوق بسرعة لم تكن ممكنة بالطرق التقليدية.
ثم جاء العقد الأخير (2010–2020)، الذي كشف عمق «الرقمنة» في العمل المؤسسي: البيانات الضخمة، والذكاء الاصطناعي، وإنترنت الأشياء؛ أصبحوا شركاء في اتخاذ القرار وإدارة العمليات، وأكدت جائحة «كورونا» أهمية هذه الأنظمة، حيث أصبح العمل عن بُعد، وإدارة العملاء، ومتابعة سلاسل الإمداد عبر الأنظمة الرقمية أمراً حيوياً لاستمرارية المؤسسات.
واليوم، المؤسسات لا تكتفي بتحسين العمليات، بل تبني بيئات رقمية متكاملة، أنظمة ذكية تساعدها على اتخاذ قرارات إستراتيجية، تقنيات مثل «البلوكشين» توفر الشفافية، والمساحات الرقمية التفاعلية مثل «الميتافيرس»، حيث يمكن للموظفين العمل كمجموعة واحدة والتواصل في الوقت نفسه من أي موقع في العالم، فأصبح التحول الرقمي إعادة تعريف شاملة لطريقة عمل المؤسسات، من التوثيق واللوجستيات إلى التخطيط والنمو المستقبلي.
بين الماضي الورقي والحاضر الرقمي؛ يكمن جوهر التحول المؤسسي: قدرة المؤسسة على التكيف بسرعة، استثمار التكنولوجيا بذكاء، وصنع قيمة جديدة تضمن البقاء والتنافس في عالم سريع التغير.
أخبار ذات صلة