في الماضي، كانت فتاة في سن الإنجاب بمدينة «سولت ليك سيتي» تكبر في عائلة نموذجية، فوالداها متدينان في العادة، وتزوجا قبل بلوغهما سن الـ25.

وحياة الفتاة الأميركية في «يوتا» اليوم مشابهة إلى حد كبير، إذ أصبحت الولاية أكثر التزاماً بالتقاليد، حيث العدد المتزايد من الأطفال في العائلات أكثر من أي مكان آخر في أميركا، إلا أن هناك فرقاً واحداً فقط، هو أن الأم لديها أقل من طفلين في المعدل على الرغم من أنها نشأت مع ثلاثة أشقاء أو أكثر.

في عام 1960 كان معدل الخصوبة الإجمالي في الولايات المتحدة، أو متوسط عدد الأطفال المتوقع أن تنجبهم المرأة، 3.6 أطفال، وبحلول عام 2022 انخفض إلى 1.7، وتُظهر البيانات الأخيرة الصادرة عن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها، وهي هيئة رسمية، انخفاضاً إضافياً منذ ذلك الحين، ليصل إلى أقل من 1.6 بقليل، وهو أدنى معدل مسجل، في وقت تنجب فيه النساء في جميع الولايات عدداً أقل من الأطفال.

انخفاض معدل المواليد

عند النظر في توزيع المواليد تظهر مجموعة واضحة من التقلبات، ففي السنوات الأخيرة، انخفضت معدلات المواليد بشكل طفيف في الأماكن التي كانت منخفضة فيها لفترة طويلة. وشهدت أربع من أقل الولايات الخمس خصوبة في عام 2014، بما في ذلك «كونيتيكت» و«ماساتشوستس» انخفاضاً في معدلاتها بأقل من المتوسط الوطني. وكان الانخفاض حاداً في الولايات التي كانت تاريخياً الأكثر خصوبة، حيث شهدت «ألاسكا» و«داكوتا الشمالية» بعضاً من أشد الانخفاضات.

وإجمالاً فإن الولايات التي كانت لديها معدلات خصوبة أعلى من المتوسط في عام 2014 مسؤولة عن أكثر من 80% من انهيار معدلات المواليد الأميركية على مدى العقد الماضي.

انهيار الخصوبة

تمثل المرحلة الأخيرة من انهيار الخصوبة طويل الأمد في أميركا تحدياً لصناع السياسات والباحثين المؤيدين للإنجاب الذين ركزوا اهتمامهم لفترة طويلة على الولايات ذات معدلات الخصوبة المنخفضة، والتي غالباً ما تكون حضرية وأفضل تعليماً.

وعلى سبيل المثال، حث الخبير الاقتصادي، ليمان ستون، الذي عمل مستشاراً في إدارة الرئيس دونالد ترامب الأولى، الولايات الأخرى على اتباع «نهج يوتا»، ومن وجهة نظره لا يرغب سوى عدد قليل نسبياً من النساء في الولاية في تأجيل الإنجاب من أجل مسار مهني، كما أن ارتفاع مستويات التدين فيها يعزز استقرار الأسرة، بل يُقال إن البيت الأبيض يدرس الآن تخصيص مقاعد جامعية للأزواج الذين يؤجلون دراستهم لإنجاب أطفال.

ما يثير قلق صناع السياسات أن الانخفاض الأخير في معدلات المواليد يتركز في المناطق الريفية من البلاد، والأماكن التي يميل الناس فيها إلى الحصول على تعليم أقل، وعلى الرغم من وجود عدد كبير من المحافظين في «يوتا»، فإنهم ينجبون عدداً أقل من الأطفال، وكثيراً ما يُجادل مؤيدو الإنجاب لمصلحة توفير مساحة لمنازل العائلات الكبيرة؛ أما الآن فحتى في الأماكن ذات المساحة الوافرة تنخفض معدلات المواليد، ويعكس هذا بشكل رئيس تغيراً في سلوك الشابات، حيث تقل حالات الولادات غير المخطط لها، فبينما كان معظم النساء بولاية «يوتا» في عام 2005 ينجبن طفلهن الأول قبل سن الـ25 عاماً، فإن أقل من واحدة من كل أربع نساء ينجبن اليوم في هذه السن، وفي المقابل لا يملك صناع السياسات الذين يسعون إلى تشجيع المزيد من الولادات سوى أدوات محدودة.

وانخفض معدل الخصوبة في أميركا انخفاضاً حاداً إلى ما دون 2.1، وهو المستوى المطلوب للحفاظ على استقرار السكان دون الحاجة إلى مهاجرين، منذ ما يقرب من عقدين، وفي السنوات التي تلت ذلك، لم تظهر سوى تفسيرات قليلة مقنعة لهذا الاتجاه، ولذلك أثارت بيانات مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية منها الأخيرة قلق الباحثين والبيت الأبيض، ويخشى كلاهما من أن انخفاض معدلات المواليد يعني انخفاض فرص التعافي، وفي سعيهما لإيجاد حل لانخفاض معدل المواليد في أميركا، قد تكون هناك ضرورة للبحث في وسائل جديدة.

تكاليف باهظة

يتفق المدافعون عن الحق في الإنجاب في الولايات المتحدة، على اختلاف أطيافهم السياسية، على أن الناس كانوا سينجبون المزيد من الأطفال لو لم تكن تكاليف المعيشة باهظة، وهم يريدون سياسات حكومية تُمكن الآباء والأمهات، ومن سيصبحون آباء، من بناء أسر أحلامهم، لكنهم يختلفون حول كيفية تحقيق ذلك.

وقال مدير مبادرة «التشجيع على الإنجاب» في معهد دراسات الأسرة، ليمان ستون: «إذا كنا سنقدم دعماً لرعاية الأطفال، فأعتقد أنه ينبغي أيضاً منح بدل لربة المنزل للحفاظ على المساواة وتجنب التمييز».

وأضاف: «لكنني أقول، بشكل عام، إنه لا ينبغي لنا تقديم هذا الدعم بالطريقة التقليدية، لا ينبغي لنا دعم رعاية الأطفال، ولا ينبغي لنا دعم البقاء في المنزل، يجب أن نمنح الآباء المال فقط، ونترك لهم حرية اختيار ما هو الأفضل لعائلاتهم».

وأوضح ستون: «هناك أناس قلقون بشأن التدهور الاقتصادي، ونسب الإعالة، ودفع الضمان الاجتماعي، والابتكار، وأي شيء من هذا القبيل، لدينا أناس قلقون بشأن فقدان الثقافة والحضارة، والانحدار الحضاري، ونهاية مجتمعات معينة، ثم هناك أناس يعتقدون أن الأمر سيئ لمجرد أن الناس لا يحصلون على ما يريدون».

وفي منشور له، في يونيو الماضي، خص ستون شريحة واحدة، وهي «المؤيدون للإنجاب المجتمعيون»، والتي قال إنها «تغطي نطاقاً واسعاً من المجالات والانتماءات السياسية».

أما إدارة الرئيس دونالد ترامب، فلم تحدد كيف ستشجع الآباء على إنجاب مزيد من الأطفال بما يتجاوز الحوافز النقدية المحددة في مشروع القانون الجديد، ورداً على طلب إجراء مقابلة، أرسل مكتب الصحافة التابع للبيت الأبيض عبر البريد الإلكتروني اقتباساً من المتحدثة باسم البيت الأبيض، تايلور روجرز، التي رددت بعض المواقف المؤيدة للولادة التي وصفها ستون. عن «الإيكونوميست»


عوائق اقتصادية

قالت الطبيبة والمديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، ناتاليا كانيم، التي نشرت استطلاعاً شمل أكثر من 14 ألف بالغ في 14 دولة، أخيراً: «تتراجع معدلات الخصوبة بشكل كبير لأن الكثيرين يشعرون بعدم قدرتهم على تكوين الأسر التي يرغبون فيها، وهذه هي الأزمة الحقيقية».

وأفاد ما يقرب من خُمس المشاركين، الذين تقل أعمارهم عن 50 عاماً (18%)، بأنهم لا يتوقعون إنجاب العدد الذي يرغبون فيه من الأطفال، فيما ألقى أكثر من 50% باللوم على العوائق الاقتصادية.

شاركها.