حينما تتبدل المفاهيم وتعلو رايات العدل والإنصاف، يشرق الحق كفجر جديد ويعلو نداء التمكين لكل الفئات. هنا وفي بلادنا المباركة تتجلى قضية دمج ذوي الإعاقة، علامة من علامات الرقي وهي دليل على أن القلوب الكبيرة تصنع الأوطان الكبيرة وشاهدة على إنسانية المجتمع وعمق التزامه بالتكافل… وقد شاركت هذه الفئة الغالية على قلوبنا في فضاءات وطنية وحضارية عديدة ومنحتهم فرصًا متساوية للتعبير والمشاركة والعطاء، بلا تمييز أو استثناء.
وأشير بدوري هنا كما بدأت في مقالي هذا الذي جاء بعنوان «إعاقتي ليست نهايتي».. هي بداية طريق تتلاقى فيه الإرادة مع الفرص وتصنع فيه البيئة الحاضنة إنجازات تليق بعظمة هذا الوطن، حيث تمثل المعارض والمؤتمرات منصات حضارية راقية ينبغي أن تكون فضاء رحبا للتعبير والمشاركة والتفاعل لجميع أفراد المجتمع، دون تمييز أو استثناء. وفي هذا السياق يبرز دور منظمي المعارض والمؤتمرات، باعتبارهم صناع البيئات الحاضنة والمسؤولين عن ترسيخ قيم الشمول، وتحقيق الدمج الفعلي، فالشمول في قطاع المعارض لا يقتصر على تهيئة المرافق والبنى التحتية بل يمتد ليشمل السياسات التنظيمية والمحتوى المقدم وطبيعة التجربة التي يعيشها الزائر والمشارك على حد سواء، فالشخص ذو الإعاقة ليس ضيفا خاصا يحضر بالاستثناء بل هو جزء مهم من جمهور الفعالية وعنصر فاعل في طاقمها ومبدعيها، وغيابه لا يعني فقدان زائر بل خسارة تجربة إنسانية عميقة وانتقاصا من قيمة الحدث وعدالته المجتمعية.
وفي خضم النهضة الوطنية التي تعيشها المملكة العربية السعودية ومع تسارع خطواتها نحو تحقيق رؤية 2030 يبرز دمج الأشخاص ذوي الإعاقة في قطاع المعارض والمؤتمرات كأحد المرتكزات الأساسية لبناء مجتمع حيوي شامل ومتماسك، فالمعارض في هذا الوطن تمثل مساحات اجتماعية تعكس وعي المجتمع وعمق التزامه بقيم العدالة والتكافؤ وأي إقصاء لهذه الفئة الغالية يعد إخلالا بمبادئ التمكين والتنوع، التي تقوم عليها مسيرة المملكة نحو الريادة. كما ينطلق دور منظمي المعارض من الالتزام الصارم بالمعايير الهندسية والتنظيمية التي تضمن سهولة الوصول وانسيابية التنقل، عبر توفير ممرات ملائمة، ومصاعد مهيأة، ودورات مياه مجهزة بأعلى المواصفات، ولافتات مكتوبة بلغة برايل تتناسب مع جميع الاحتياجات، ولكن هذا الالتزام، على أهميته، لا يكتمل إلا إذا احتُضن داخل إطار أوسع يُعرف بالتجربة الشاملة التي تتطلب بُعدًا إنسانيًا عميقا ورؤية تشغيلية متكاملة تراعي كافة جوانب دمج ذوي الإعاقة.
لقد سبقت العديد من الدول المتقدمة في تحقيق هذا المثل الأعلى، حيث أصبحت كبرى الفعاليات العالمية، كمعرض CES في الولايات المتحدة وITB Berlin في ألمانيا، تخضع لتقييمات دقيقة تتناول مدى شموليتها والتزامها الصارم بمعايير الدمج، وتُمنح شهادات اعتماد دولية تعكس مدى احترافيتها ورقي تنظيمها، وقد تحول هذا تحول إلى معيار مهني رفيع يعكس جودة الفعالية وسمو تجربتها.
وفي ظل ما يشهده قطاع المعارض في المملكة من نمو متسارع واهتمام حكومي واستثماري متزايد، أصبح اعتماد نهج الدمج والشمول أولوية تنموية وإنسانية، تتطلب من الجهات المنظمة وصناع القرار اتخاذ خطوات عملية واضحة. فالشمول الحقيقي لا يتحقق بالشعارات، إنما بالممارسات المؤسسية والسياسات التي تكرس قيم العدالة والاحترام والتمكين، وتجعل من المعارض منصات مفتوحة للجميع دون استثناء، تعكس مجتمعًا يسير بثبات نحو الرقي الإنساني والتميز الحضاري.
وأخيراً..
إعاقتي ليست نهايتي..
هي رسالة تحمل دعوة للتأمل وإحداث التغيير، وإعادة النظر في المفاهيم السائدة تجاه الأشخاص ذوي الإعاقة، باعتبارهم شركاء فاعلين في البناء والعطاء، لا مجرد متلقين للرعاية، وعندما تُفتح أمامهم الأبواب للمشاركة الكاملة في تصميم المعارض وتنظيمها وزيارتها، فإننا لا نطبق مبدأ العدالة فحسب، نحن نعزز قيم التنوع والتمكين، ونساهم في بناء معارض أكثر شمولية، ومجتمع أكثر إنسانية، لا يقصي أحدًا ولا يغفل صوتًا، إنها خطوة في الطريق الصحيح نحو حضارة تعترف بالجميع وتحتضن الجميع.
لقد قيل إن الإعاقة قيد لكن الحياة قالت إن الإرادة جناح وإن البيئة الحاضنة تصنع المعجزات، وإن العزيمة إذا سارت في درب النور تجاوزت كل العثرات.
أخبار ذات صلة