|

في قلب منطقة القرن الأفريقي، يعيش شعب العفر وسط تضاريس قاحلة وموارد شحيحة، موزّعين على ثلاث دول هي إثيوبيا وإريتريا وجيبوتي.

ورغم امتلاكهم هوية ثقافية موحدة، فإن الجغرافيا السياسية التي رسمتها حقبة الاستعمار قسمت أراضيهم، وألقت بهم في هامش الاهتمام الرسمي، لا يُذكرون فيه إلا عند اشتداد النزاعات أو تصاعد المطامع الإقليمية.

ومع تصاعد التوترات في المنطقة، بدأ العفريون يدركون أنهم يُستخدمون أدوات لتمرير أجندات لا تمثلهم، ما دفعهم إلى إعادة التفكير في مستقبلهم السياسي، المحفوف بمخاطر تتجاوز الحلول التقليدية المتعارف عليها لدى القبائل والعشائر، وقد تجرّهم إلى صراعات تهدد وحدة نسيجهم الاجتماعي.

منطقة بركانية في عفر إحدى أسخن أماكن العالم (الجزيرة)

سلاطين البحر الأحمر بين أنظمة قمعية ومصالح اقتصادية

في الآونة الأخيرة، أعادت إثيوبيا طرح ملف الوصول إلى منفذ بحري، بعد أن أصبحت دولة حبيسة إثر استقلال إريتريا عام 1993، وهو ما يُعد أحد أسباب التوتر بين البلدين، إلى جانب تداعيات حرب تيغراي.

وتتركز أنظار أديس أبابا على الساحل الإريتري الممتد من خليج زولا قرب مدينة مصوع، مرورا بميناء عصب، وصولا إلى العمق الجيبوتي، وهو ما يُعرف بـ”المثلث العفري”، نظرا لوجود العفريين في الدول الثلاث.

ويُطلق على العفريين لقب “سلاطين البحر” لعلاقتهم التاريخية بالموانئ، لكن هذا الامتداد الجغرافي اليوم محل أطماع إقليمية، يرى فيها بعضهم محاولة إثيوبية لاحتواء المنطقة بأكملها، بينما يؤمن آخرون بأن اللحمة العفرية أقوى من أي محاولات لتمزيق كيانهم.

وفي هذا الصدد، قال الباحث في العلوم السياسية عمر إبراهيم للجزيرة نت، إن “الأدوار العفرية قبل وبعد تحرير إريتريا معروفة بمواقفها الوطنية، ولا يمكن اختزالها بدعاوى تقرير المصير”.

وشدد إبراهيم على أن “العقل الجمعي العفري لا يزال يحفظ نضالات أبنائه في الحفاظ على الوحدة الوطنية، ولا أحد يزايد على دورهم في تحرير إريتريا برا وبحرا، وفي دعم الثورة الإريترية عبر قنوات عربية كان العفر في طليعتها”.

صورتان لمدينة سمرا عاصمة اقليم العفر الاثيوبي
مدينة سمرا عاصمة إقليم العفر الإثيوبي (الجزيرة)

بين الحكم الذاتي وتقرير المصير

لكن استمرار الرغبة الإثيوبية في الحصول على منفذ بحري أثار قلق دول الجوار، إذ يعتبره الصومال تدخلا في سيادته، بينما يراه بعضهم في إريتريا توغلا استعماريا جديدا.

وفي ظل هذا الصراع، عاد الملف العفري إلى الواجهة، بين من يؤمن بوحدة شعب العفر على أرضه، ومن يرى في النظام الفدرالي وسيلة لضبط التعايش، وبين من يدعو إلى عهد جديد يضمن حق تقرير المصير.

هذا الطرح الأخير يتبناه “التنظيم الديمقراطي لعفر البحر الأحمر”، الذي تأسس عام 1999، حيث صرّح الناطق باسمه نصر الدين أحمد علي للجزيرة نت، أن “المطالبة بحق تقرير المصير ليست جديدة، فقد بدأت منذ تأسيس التنظيم”.

وقال علي إن الشعب العفري فقد الثقة في النظام الإريتري بسبب ما سماه ممارساته تجاه القوميات، واستهدافه العقيدة واللغة والثقافة على حد قوله.

وأضاف “الشعب العفري جزء أصيل من النسيج الإريتري، وما يطالب به هو ضمان حقوقه، بما فيها الحق في تقرير المصير، ليكون ذلك صمام أمان وجوده في المنطقة”.

صورة لجنود ومجندات من القوات العفرية
جنود ومجندات من القوات العفرية (الجزيرة)

رؤية عفرية للقرن الأفريقي

ورغم ما اعتبره بعضهم تهميشا وغيابا للاستقرار، يؤمن الباحث عمر إبراهيم بقدرة الشعب العفري على التعايش في الدول الثلاث، مشيرا إلى مشاركتهم الفاعلة في الحكم بجيبوتي، وفي النظام الفدرالي بإقليم العفر في إثيوبيا.

ودعا إبراهيم العفريين في إريتريا إلى النضال من أجل حقوقهم، مؤكدًا أن “التكامل والتعاون هو ما يتطلع إليه الشعب العفري في القرن الأفريقي، بما يعزز شراكات إقليمية ناجحة بعيدًا عن الحروب والنزاعات”.

كما طالب النخب الحاكمة بتحويل التجاذبات السياسية إلى مشاريع تنموية مشتركة، رافضا في الوقت ذاته ما وصفه بالتهميش الذي ينتهجه النظام الإريتري تجاه العفريين، والذي يدفعهم إلى التمسك بمشروعهم الوطني.

من جهته، يقول نصر الدين، إن إريتريا تمارس ضغوطا وعمليات تهجير ممنهجة، تحرم الشعب العفري من حقوقه، في وضع وصفه بأنه “أسوأ مما كان عليه زمن الاستعمار”.

صورة لرجلين من العفر يرتدين الري العفري
رجلان من العفر يرتديان الزي العفري (الجزيرة)

العفر.. أكراد القرن الأفريقي؟

يُعرف العفر أيضا باسم “الدناكل”، ويعيشون في واحدة من أكثر المناطق حرارة وجفافا على وجه الأرض.

وقد أطلق عليهم مجازا لقب “أكراد القرن الأفريقي”، نظرا لتشابه وضعهم الجغرافي بالأكراد المحاطين بالعراق وسوريا وتركيا وإيران.

ويشتهر العفريون بالشجاعة والانضباط القبلي، حيث يرتدي الرجال “الفوطة” التقليدية ويحملون السكاكين المنحنية، بينما تتزين النساء بالأثواب الزاهية والفضة.

وقد لعبوا دورا بارزا في مقاومة الاستعمار الأوروبي، لكن تقسيم أراضيهم على ثلاث دول جعلهم في قلب صراع جديد، وسط مخاوف من اندلاع حرب جديدة بين إثيوبيا وإريتريا، رغم تأكيدات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد في خطابه الأخير في البرلمان احترام سيادة إريتريا وعدم نية بلاده الدخول في أي حرب.

شاركها.