|

نشر موقع “هوفبوست” (النسخة الإيطالية من مجموعة هافينغتون بوست الأميركية) مقالا للكاتب ماسيميليانو دي باتشي، سلط فيه الضوء على مجريات المحادثات بين روسيا وأوكرانيا في إسطنبول، مبرزا أن هذه الاجتماعات لا ترقى إلى مفاوضات سلام حقيقية.

وقال دي باتشي إن هذه المحادثات تُمثل من وجهة نظر موسكو وسيلة لفرض شروط استسلام، تبدأ بالاعتراف بضم أراض أوكرانية، وتنتهي بإضعاف الدولة الأوكرانية نفسها، على حد تعبيره.

ويرى الكاتب أن المفاوضات، التي عُقدت جولتها الثالثة في 23 يوليو/تموز 2025، (الجولتان السابقتان عقدتا في 16 مايو/أيار و2 يونيو/حزيران 2025) ليست سوى جزء من إستراتيجية الكرملين الأوسع: تقديم مظهر الالتزام بالحوار لتفادي عزلة دبلوماسية، مع التمسك في الوقت نفسه بجوهر المطالب الروسية.

وأهم تلك المطالب -يتابع الكاتب- الاحتفاظ بكامل الأراضي الأوكرانية التي أعلنت روسيا ضمها في 2022 (دونيتسك، لوهانسك، زاباروجيا، وخيرسون)، بما في ذلك أجزاء لا تزال تحت سيطرة كييف.

كما أشار الكاتب إلى ما نشرته صحيفة إزفستيا الروسية والتي كشفت صراحة عن شروط موسكو الأساسية وهي حياد أوكرانيا، والاعتراف الدولي بضم شبه جزيرة القرم والمناطق الأربع، وتقليص حجم الجيش الأوكراني.

ويطرح الكاتب سؤالا جوهريا حول سبب إصرار روسيا على إضعاف أوكرانيا عسكريا، ويقول إن الجواب يرتبط برؤية الكرملين لإعادة بناء مجال نفوذ ما بعد مرحلة الاتحاد السوفياتي.

ويرجّح أن تكون موسكو تخطط لجولة قادمة من الغزو، في حال سنحت الظروف السياسية أو الاقتصادية، مثل تخلّي الغرب عن دعم كييف، أو تفكك مؤسساتها الديمقراطية.

تقليل الخسائر

وفي هذا السياق، تأتي اللقاءات في إسطنبول كوسيلة لتقليل الخسائر لا أكثر -يوضح ماسيميليانو دي باتشي- خصوصا عبر اتفاقات لتبادل الأسرى والجثامين، وهي ملفات بدأت تسبب إحراجا داخليا لموسكو، وسط خشية من تعبئة جديدة قد تُشعل الغضب الشعبي.

ويقول إنه برغم الجمود السياسي، شهدت الجولة الثالثة اقتراحا روسيا بتشكيل 3 مجموعات عمل تعقد اجتماعاتها عن بعد. وقد أبدت أوكرانيا استعدادا لدراسة المقترح، مما قد يفتح الباب أمام جولة رابعة من اللقاءات، يُرتقب أن يشارك فيها نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل غالوزين.

وتتضمن أجندة اللقاء المقبل ملفات إنسانية كإجلاء الجرحى، واستعادة الأطفال الأوكرانيين الذين نُقلوا إلى روسيا، إضافة إلى بحث آليات لهدن قصيرة.

أما الحديث عن لقاء يجمع الرئيسين بوتين وزيلينسكي -يوضح ماسيميليانو دي باتشي- فيراه الروس بلا معنى قبل التوصل لاتفاق نهائي، وهو أمر غير ممكن حاليا، في ظل إصرار موسكو على اعتراف كييف بخسارة أراضيها، وتمسّك أوكرانيا بوقف إطلاق نار شامل وغير مشروط.

المفاوضات الحالية ليست أكثر من إدارة للصراع حتى تتغيّر موازين القوى، ونهاية الحرب رهنٌ بمن يصمد أكثر، لا بمن يتنازل أولا.

بواسطة الكاتب ماسيميليانو دي باتشي

ويقول الكاتب إن بالنسبة لأوكرانيا، تُعد المؤسسات الديمقراطية بابا محتملا لهزات سياسية، كما حصل مؤخرا مع قرار زيلينسكي إلغاء استقلال هيئات مكافحة الفساد، مما أثار انتقادات داخلية واتهامات بالتراجع عن الإصلاحات.

أما روسيا، فتعاني من اقتصاد مُنهك بالعقوبات ونقص في اليد العاملة، أضعف قدرتها الإنتاجية وأجبر البنك المركزي على خفض سعر الفائدة مجددًا وسط تراجع النمو، يشرح الكاتب الإيطالي.

وحرص الكاتب دي باتشي على القول إن خلاصة المشهد تتمثل في أن السلام بحسب المنظور الروسي ليس تسوية بل هي استسلام، والمفاوضات الحالية ليست أكثر من “إدارة للصراع” حتى تتغيّر موازين القوى، موضحا أن نهاية الحرب رهنٌ بمن يصمد أكثر، لا بمن يتنازل أولا.

شاركها.