23/7/2025–|آخر تحديث: 07:53 (توقيت مكة)
قال موقع ميديا بارت إن الصحفية والشاعرة الفلسطينية نور العاصي أُجليت مؤخرا من غزة، وقطعت وعدا بالانتقام، وهي تروي، في عمودها الجديد الذي كتبته في باريس، الألم الشديد الذي عانته لترك عائلتها ورحلتها إلى فرنسا.
وكتبت نور العاصي أن الأيام التي سبقت الإجلاء كانت هي أكثر ما رأته في حياتها دموية، حيث احترقت السماء، وتشققت الأرض، وتجاوز عدد القصف وأوامر الإجلاء والمجازر ما يمكن إحصاؤه.
أعلنت القنصلية الفرنسية أن وقت الذهاب قد حان، لا لأن الوضع آمن، بل لأن إسرائيل أعطت موافقتها أخيرا، حيث تم قبول نور العاصي لإكمال دراستها للعلوم السياسية في معهد الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية في باريس.
طلبت القنصلية الفرنسية قبل أيام قليلة من المغادرة، أن يتجهز من لا يزالون يرغبون في الذهاب، و”لم يسمح لي حتى بأخذ دفتر الشعر الذي أهدتني إياه أختي”، ثم “غادرت غزة -كما تقول الكاتبة- لا أملك سوى ملابسي وبطاقة هويتي، والألم المبرح لعلمي أن أمي وأختي الصغيرة ستتركان في حرب مصممة لمحونا”.
وتابعت “صعدنا إلى الحافلات كأشباح بعيون دامعة، فجلست عند النافذة، وأجبرت نفسي على النظر، لأشهد موت ما كان بيتي، وما كان رفح، كل شيء اختفى. سويَ بالأرض. عظامٌ خرسانية. غسيل محترق. حتى الطيور طارت إلى الأسفل، كما لو كانت في حالة حداد”.
الشاحنات العالقة هناك
وقالت الكاتبة إنها لا تجد كلماتٍ تصف مدى الدمار على الطريق المؤدي إلى معبر كرم أبو سالم، بل إنها لم تصدق عينيها، وبدا الأمر وكأنه شيء من فيلمٍ عن نهاية العالم، مع أنه لم يكن كذلك.
وذكرت العاصي بأنهم مروا بشاحنات الإغاثة مصطفة مليئة بالطعام، ومتوقفة على بُعد أمتار قليلة من الجثث في غزة، ولكن لم يسمح لها بالدخول، وبداخلها يتعفن الخبز وأطفال غزة يغلون العشب للعشاء.

وتساءلت العاصي ماذا نسمي هذا إن لم يكن جريمة حرب؟ وقالت “هذا ليس حصارا. هذا تجويع كسياسة خارجية، هذا قتل بيروقراطي موقع في واشنطن، ومطبق في تل أبيب، وشهدت عليه أوروبا.
وعند نقطة التفتيش كما تقول العاصي “فتشونا كما لو كنا نحمل قنابل، لا حزنا، وتحقق موظفو القنصلية من أسمائنا مرة أخرى، وكانوا في غاية اللطف والود، ثم قدموا لنا الطعام وأبلغونا أن فريقهم من السفارة الفرنسية سيكون في انتظارنا عند وصولنا إلى الأردن”.
وتضيف “في الحافلة المتجهة إلى الأردن لم يتكلم أحد، ولم تكن هناك دموع ولا شهقات، بل صمت غامر يضغط على رئاتنا، وعبرنا الأراضي الفلسطينية المحتلة، لنقضي 4 ساعاتٍ في أرض لم أرها من قبل لأنني من غزة، وكان باقي فلسطين محظورا علينا”.
هناك جبال وكروم عنب وتلال تكسوها أشجار الزيتون، هنالك البحر الميت، وأخيرا المنتجعات الساحلية، فنادق الخمس نجوم، والأوروبيون يتشمسون بملابس السباحة، في حين يدفن الأطفال على بعد 30 كيلومترا، وكأننا في مشهد مسرحي، حيث هناك إبادة جماعية في البحر الأبيض المتوسط، وكوكتيلات في البحر الميت.
يحرقني الشعور بالذنب ولكنني أعرف أنني لم أغادر غزة لأنساها، بل غادرت لأنتقم لها باللغة وبالسياسة، وبذاكرة أشد ضراوة من الرصاص
لم أغادر غزة لأنساها
تقول العاصي “بعد ليلتين في فندق فخم، نقلنا إلى المطار بعد انتظار طويل وإجراءات تفتيش، وكانت تلك أول رحلة لي على متن طائرة، شعرت بغثيانٍ شديد وأنا أعجَب كيف أن قطعةً صغيرة من الأرض سمحت للعالم أجمع أن يستيقظ ويفهم كم كان خطأه”.
وأضافت “هبطنا في مطار شارل ديغول، وخضعنا للتفتيش مرة أخرى ومنِحنا تأشيرة طالب، وها أنا ذي في باريس الآن، آمنة أنام في سرير مريح ودافئ، وفي كل ليلة، أحدق في السقف وأسأل نفسي، هل خنتهم؟ هل تخليت عن أمي وأختي وشعبي؟”
وتتابع بألم “يحرقني الشعور بالذنب -كما تقول العاصي- ولكنني أعرف أنني لم أغادر غزة لأنساها، بل غادرت لأنتقم لها باللغة وبالسياسة، وبذاكرة أشد ضراوة من الرصاص”.
وختمت العاصي بقولها “غادرت لأتعلم لغة المحاكم التي لم تنقذنا، لأستخدم أدواتها الخاصة لحفر اسمنا في التاريخ مرة أخرى، وستسمعون عني، في سفاراتكم وغرف أخباركم وإستوديوهات تلفزيونكم. لن أكون قصة نجاحكم، بل سأكون مرآتكم. ولن يعجبكم ما ترون”.