تعرّض الحزب الليبرالي الديمقراطي، الحاكم في اليابان منذ فترة طويلة، لانتكاسة تاريخية في انتخابات مجلس الشيوخ، الأحد الماضي، وفقد الحزب وشريكه الأصغر في الائتلاف، حزب «كوميتو»، 19 مقعداً، ما يعني أنهما سيحكمان من دون أغلبية في المجلس الأعلى للبرلمان الياباني، للمرة الأولى منذ عام 2013.

ويُمثّل هذا الأداء الضعيف كابوساً لرئيس الوزراء، شيغيرو إيشيبا، الذي تولى منصبه في أكتوبر الماضي، كما فقد ائتلافه الحاكم أغلبيته في مجلس النواب، ووصف إيشيبا النتيجة بأنها «حكم قاسٍ»، وقال إنه ينوي البقاء في منصبه، لكن الدعوات إلى استقالته تتزايد.

تحديات حزبية

لايزال الحزب الليبرالي الديمقراطي أكبر حزب في غرفتَي البرلمان الياباني، لكن نتائج يوم الأحد تؤكد أن هيمنته الطويلة على السياسة اليابانية مهددة بشكل حقيقي، ولا تُعدّ المعارضة اليسارية الوسطية الراسخة، بقيادة الحزب الديمقراطي الدستوري، والذي حافظ في الانتخابات على عدد مقاعده في مجلس الشيوخ، التحدي الأكبر، فالنخب السياسية الناشئة هي التي تجذب ناخبي الحكومة بعيداً، فـ«الحزب الديمقراطي من أجل الشعب»، وهو حزب وسطي بقيادة تاماكي يويتشيرو، ذو نزعة شعبوية، وضاعف مقاعده بأكثر من الضعف، من تسعة مقاعد إلى 22 مقعداً، ما يجعله ثاني أكبر كتلة معارضة في مجلس الشيوخ، بعد «الحزب الديمقراطي المجتمعي»، كما حقق حزب «افعلها بنفسك» أو (سانسيتو)، وهو حزب يميني متشدد ذو رسالة مناهضة للهجرة، تقدماً كبيراً، وقفز من مقعدين إلى 15 مقعداً، ويبدو أن هذه الأحزاب الحديثة قد حفّزت الناخبين، إذ ارتفعت نسبة الإقبال إلى 59%، وهي أعلى مستوى منذ عام 2012.

موقف دفاعي

كان الحزب الليبرالي الديمقراطي في موقف دفاعي قبل وقت طويل من فتح مراكز الاقتراع، وفي السنوات الأخيرة شوّهت الفضائح صورة الحزب، وقد كافح إيشيبا، وهو سليل عائلة سياسية ويبلغ من العمر 68 عاماً، لمنح حزبه جاذبية جديدة بين الشباب، ويقول أوتشياما يو، من جامعة طوكيو: «كان الناخبون غير راضين عن استجابة الحزب الليبرالي الديمقراطي للتضخم»، على وجه الخصوص، وارتفعت الأسعار بشكل مطرد منذ عام 2022، ولم تواكب الأجور هذا الارتفاع، فقد انخفضت بالقيمة الحقيقية لمدة خمسة أشهر متتالية.

وخلال الحملة الانتخابية، وعدت الأحزاب من جميع الأطياف، الناخبين، بإعفاءات ضريبية وهبات أخرى، وأثار ذلك قلق المستثمرين الذين كانوا قلقين بالفعل بشأن الدين العام لليابان (نحو 130% من الناتج المحلي الإجمالي).

ودعت أحزاب المعارضة إلى خفض ضريبة الاستهلاك، التي تبلغ حالياً 10%، ورداً على ذلك وعد إيشيبا، وهو من «صقور» المالية العامة، بتقديم دفعة نقدية لمرة واحدة قدرها 20 ألف ين (136 دولاراً) لكل ياباني، وكما اتضح، كان هذا التعهد ضئيلاً للغاية بحيث لم يكسب تأييد الناخبين، وقد أثار حفيظة العديد من مؤيدي الحزب الحاليين، الذين اعتبروه سطحياً وتفاعلياً.

ومع ذلك كانت الهجرة، وليس الاقتصاد، هي التي سيطرت على الأيام الأخيرة من الحملات الانتخابية، ونظراً إلى انخفاض عدد السكان الأصليين في اليابان، أصبحت البلاد تعتمد بشكل متزايد على العمال المهاجرين لشغل الوظائف، ووصل عدد العمال الأجانب إلى رقم قياسي بلغ 2.3 مليون في العام الماضي، ولايزال هذا يُمثّل نحو 3% فقط من القوى العاملة (مقارنة بنحو 20% في بريطانيا وألمانيا)، لكنه أعلى بثلاث مرات مما كان عليه قبل 10 سنوات.

«اليابانيون أولاً»

اتهم حزب «سانسيتو» اليميني المتشدد، الحكومة، باستيراد العمالة الرخيصة بناء على طلب الشركات الكبرى، وادعى أن هذا كان يضغط على أجور اليابانيين، ويسبب مشكلات أخرى.

لاقى شعار سانسيتو «اليابانيون أولاً» صدى، وفي تجمع شعبي أُقيم، أخيراً، في سايتاما، وهي منطقة بالقرب من طوكيو، قارن أحد المتحدثين باسم الحزب الشعار بحركة: «لنجعل أميركا عظيمة مجدداً»، وحزب «البديل من أجل ألمانيا»، وهو حزب يميني متشدد، ووصف كويدا يوشيوكي، وهو مؤيد يبلغ من العمر 51 عاماً، حزب «سانسيتو» بأنه «الحزب الوحيد الذي يمكنه حقاً معالجة المشكلات الكبيرة التي تواجهها اليابان اليوم.

اعتمد حزب «سانسيتو»، الذي يقوده سوهي كاميا، على وسائل التواصل الاجتماعي، خصوصاً «يوتيوب»، للوصول إلى الناخبين الذين شعروا بالإحباط من السياسة المعتادة، وحاولت وسائل الإعلام التقليدية دحض مزاعمه المشكوك فيها، بما في ذلك أن الأجانب يسهمون في زيادة الجريمة، وشراء مساحات شاسعة من الأراضي، ويبدو أن العديد من الناخبين لم يستمعوا.

ماذا سيفعل الحزب الليبرالي الديمقراطي الآن؟ فعملية صنع السياسات لديه على وشك أن تصبح أكثر تقييداً، ونظراً إلى افتقاره إلى الأغلبية في غرفتي البرلمان، سيحتاج إلى التفاوض مع أحزاب أخرى لتمرير التشريعات، وقد يحاول توسيع ائتلافه من خلال ضم عضو آخر، لكن جميع المرشحين المحتملين رفضوا هذه الفكرة حتى الآن.

وجه جديد

من المؤكد أن أيام إيشيبا رئيساً للوزراء معدودة، حتى لو أصر على بقائه، وقد يسعى الحزب الليبرالي الديمقراطي قريباً إلى تقديم وجه جديد، مثل كويزومي شينجيرو، الابن الكاريزمي لرئيس وزراء سابق، والبالغ من العمر 44 عاماً، والذي كان وزيراً للزراعة، وتولى مسؤولية استجابة الحكومة لصدمة أسعار الأرز.

كبديلٍ، قد يتجه الحزب نحو اليمين على أمل صد تحدي «سانسيتو»، فقد ألمحت القومية المتشددة، تاكايشي ساناي، التي نافست إيشيبا في سباق قيادة الحزب الليبرالي الديمقراطي العام الماضي، إلى أنها ستفكر في الترشح مجدداً للمنصب، لسنوات بدت اليابان كأنها تفلت من «الشعبوية» و«الاستقطاب» اللذين قلبا وجه السياسة في العديد من الديمقراطيات الغنية الأخرى، لكن من الواضح أن هذه لم تعد هي الحال. عن «الإيكونوميست»


سياسة التظلم

استغل حزب «سانسيتو» سياسة التظلم التي تُميّز الممارسة السياسية حول العالم، ويبدو أنه، انطلاقاً من شعار «الشعب الياباني أولاً»، قد حصل على 14 مقعداً، كما زاد حزب «كوكومين» الديمقراطي، الأكثر محافظة بين الحزبين الديمقراطيين، حضوره بشكل ملحوظ، على نحو مفاجئ، وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الناخبين الذين تراوح أعمارهم بين العشرينات والخمسينات انجذبوا إلى هذا الخيار الحزبي المحافظ، وليس الحزب الليبرالي الديمقراطي، ومن المرجح أن تُشكّل هذه القاعدة الانتخابية محور قلق الحزب الليبرالي الديمقراطي، بالنسبة لمن قضوا حياتهم في مراقبة الانتخابات، فإن التقييم الأكثر صدقاً هو ملاحظة أن هناك تغييرات تحدث، يتردد السياسيون في الاعتراف بها، ولكن قد يكون من الحماقة تجاهلها.

شاركها.