17/7/2025–|آخر تحديث: 12:55 (توقيت مكة)
قال باحث فرنسي إن العديد من المسؤولين المنتخبين في الولايات المتحدة يشعرون بالخوف على سلامتهم وعلى سلامة أقاربهم في ظرفية سياسية تتسم بالاستقطاب الحاد بين الحزبين الرئيسيين في البلاد وعلى خلفية تاريخ البلاد العريق في العنف الذي تفاقم في الآونة الأخيرة.
وقال أنيس غيميريس الذي يُعِدّ أطروحة دكتوراه حول الدوائر البرلمانية بفرنسا وأميركا، إن العنف السياسي مُرتفع للغاية بأميركا منذ القرن الـ19، حين اندلعت الحرب الأهلية الأميركية بسبب قضية العبودية وتفاقمها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي عندما اغتيل العديد من قادة حركة الحقوق المدنية مثل مارتن لوثر كينغ، كما تم قمع الاحتجاجات ضد حرب فيتنام بشكل دموي.
وأضاف غيميريس -في حوار مع صحيفة لوموند- أن أجواء الخوف أصبحت ملموسة في العاصمة واشنطن حيث تم تشديد الإجراءات الأمنية حول مقر الكونغرس، وأصبحت الشرطة منتشرة في كل مكان وتم تركيب أجهزة كشف المعادن عند جميع المداخل، وكل مكتب بات مزودا بزر تنبيه، ويتم تنظيم عمليات محاكاة إطلاق نار بانتظام.
ولاحظ غيميرس، الذي اشتغل مساعدا برلمانيا بمجلس النواب الأميركي، أن هذه الأجواء انعكست على العلاقات بين أعضاء الكونغرس، إذ أصبحت قواعد اللياقة واللباقة ومشاعر الاحترام مفقودة بينهم في النقاشات البرلمانية، وأصبحت الروح العدائية هي السائدة في التعامل بين ممثلي الأمة الأميركية.
ويرى غميريس أن الرئيس دونالد ترامب هو النموذج المثالي حاليا لهذا الاتجاه نحو السلوك العدواني، وقد سبقه إلى ذلك نيوت غينغريتش، وهو عضو جمهوري بالكونغرس برز اسمه في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الـ20 من خلال لعب ورقة الاستفزاز، إذ تبنى هو وحلفاؤه أسلوبا عدائيا للغاية في ممارسة السياسة.
وعزا الباحث الفرنسي ذلك التحول في سلوك الساسة الأميركيين إلى الاستقطاب السياسي الحاد والمتزايد بين الحزب الديمقراطي، الذي أصبح أكثر تقدمية والحزب الجمهوري الذي أصبح محافظا أكثر.
وأضاف أن هذا الاستقطاب امتد إلى الناخبين بسبب “الحرب الثقافية” التي استعرت في الولايات المتحدة منذ تسعينيات القرن الماضي فأصبحت الهوية الحزبية ذات قيمةً أكبر لدى المواطنين من الهوية الوطنية.
وتفاقمت مشاعر العداء في البلاد أيضا بسبب حدة المنافسة في انتخابات الكونغرس، إذ أصبحت نتائج الانتخابات تُحسم بفوارق ضئيلة وهو ما يدفع المرشحين وأنصارهم لفعل أي شيء للفوز بالمعركة.
ومن نتائج هذه الأجواء أن نائبة محلية ديمقراطية وزوجها في ولاية مينيسوتا اغتيلا في 14 يونيو/حزيران الماضي. وقبل ذلك بعام تقريبا، تعرض ترامب، أثناء حملته الانتخابية لمحاولة اغتيال، تلتها محاولة اغتيال مزعومة ثانية في 15 سبتمبر/أيلول 2024.
اقتحام أنصار ترامب لمبنى الكابيتول في السادس من يناير/كانون الثاني 2021، كان اللحظة الأكثر كشفا للوحشية التي تطبع الحياة السياسية في الولايات المتحدة.
وفسر الباحث غيميرس هذه الهجمات بعدة عوامل، بينها التراجع الكبير في شعبية الكونغرس والمؤسسات السياسية الفدرالية لدى المواطنين، وتفاقم ظاهرة الاستقطاب الحزبي التي تغذي العنف وتضعف الشعور بالانتماء إلى المجتمع المدني.
وهذا ما يثبت في نظر الباحث أن العنف السياسي في الولايات المتحدة اليوم هو من عمل اليمين المتطرف، وهو رد فعل غريزي ضد النضالات النسوية والمناهضة للعنصرية والتقدمية التي تهدف إلى تغيير النظام الاجتماعي والسياسي.
وخير دليل على هذا التفسير -بالنسبة للكاتب- هو اقتحام أنصار ترامب لمبنى الكابيتول في السادس من يناير/كانون الثاني 2021، وهو ما وصفه باللحظة الأكثر كشفا عن هذه الوحشية التي تطبع الحياة السياسية في الولايات المتحدة.
وعن سر الفرق بين الولايات المتحدة وأوروبا، التي لم تشهد مثل هذا المستوى من العنف السياسي، يرى الباحث الفرنسي أن احتكار الدولة للإكراه المشروع في أميركا كان تاريخيا أقل بكثير منه في أوروبا، ذلك أنه في ولايات الجنوب والغرب الأوسط، تكثر المليشيات ومجموعات الدفاع عن النفس بينما لا تحتكر الدولة ملكية الأسلحة النارية.

ومن نفس المنظور التاريخي، يشير غيميريس إلى أن الحفاظ على النظام العنصري في أميركا كان يتم من خلال قوانين تمييزية أو فصل عنصري، ومن خلال العنف السياسي، الذي تسامحت معه السلطات المحلية، بل وشجعته في بعض الأحيان.
وهذه الخلفية التاريخية هي التي تفسر في نظر غميريس “الاستثناء” الأميركي بشأن العنف بشكل عام (معدل جرائم القتل مرتفع مقارنة بالمجتمعات الغربية الأخرى، الحق الدستوري في امتلاك الأسلحة النارية، وممارسة عقوبة الإعدام) والعنف السياسي على وجه الخصوص.
وإضافة إلى تلك العوامل، توقف الباحث عند ظهور جماعات يمينية متطرفة عنيفة في أميركا خلال العقود الأخيرة، مثل “براود بويز” و”أوث كيبرز”، اللتين شارك بعض أعضائهما في الهجوم على مبنى الكابيتول، وأدينوا قضائيا وكانوا من أوائل المستفيدين من عفو الرئيس ترامب بعد إعادة انتخابه.