|

حرصت رابطة دول جنوب شرقي آسيا (آسيان) على تعزيز شراكاتها التجارية والأمنية مع مختلف مناطق العالم، إذ بلغ عدد الدول الموقعة على اتفاقية آسيان للصداقة والتعاون 37 دولة.

كما حرصت على الابتعاد عن استقطاب الدول الكبرى من خلال التزام الحياد في صراعاتها، حسب ما جاء على لسان وزير الخارجية الماليزي محمد حسن في ختام المؤتمر الـ58 لوزراء خارجية دول آسيان والدول التي ترتبط معها باتفاقيات شراكة وتعاون.

ورغم ما حققته آسيان من تعاون في المجال الاقتصادي والانفتاح بين شعوبها، فإن كثيرين يرون أنها تقف عاجزة أمام تحقيق الأمن والسلام بين أعضائها، خاصة بعد التوتر الحدودي الأخير بين كمبوديا وتايلند، كما تواجه تحديا حقيقيا في وحدتها ومركزيتها في التعامل مع الدول الكبرى.

ويقدر عدد سكان منطقة آسيان بنحو 700 مليون نسمة، وتضم 10 دول هي ماليزيا وإندونيسيا وتايلند سنغافورة والفلبين وفيتنام وكمبوديا ولاوس وبروناي وميانمار، وتحمل تيمور الشرقية صفة مراقب، ويتوقع انضمامها للمنظمة في القمة المقررة في أكتوبر/تشرين الأول المقبل.

وقد أكد وزير الخارجية الماليزي أن قضايا ميانمار وبحر جنوب الصين والرسوم الجمركية وفلسطين هيمنت على اجتماعات مؤتمر وزراء الخارجية الذي أنهى أعماله الجمعة 11 يوليو/تموز.

رئيس الوزراء الماليزي أنور إبراهيم في افتتاح المؤتمر (الجزيرة)

أزمة ميانمار والانتخابات

استبعد وزراء خارجية رابطة آسيان دخولها في وساطة لإنهاء الصراع، لكنهم تمسكوا بالنقاط الخمس المجمع عليها في قمة جاكرتا عام 2021 لحل الأزمة، وطالبوا الحكومة العسكرية بوقف العنف والدخول في حوار مع جميع الأطراف والسماح بإيصال المساعدات الإنسانية لجميع المناطق المتضررة.

وقد غُيِّبت القيادة العسكرية عن اجتماعات آسيان العليا منذ انقلاب الأول من فبراير/شباط 2021، لكن الأمين العام للمنظمة كو كيم هورن قال في تصريحات صحفية إن ميانمار كاملة العضوية، ولم تتوقف الاتصالات مع النظام الحاكم فيها، ولم تخضع لأي عقوبات اقتصادية.

وكان النظام العسكري أعلن عزمه إجراء انتخابات عامة في وقت لاحق من هذا العام، لكن وزير الخارجية الماليزي قال إن دول آسيان لا ترى شرعية للانتخابات ما لم تكن شاملة لجميع المناطق ومكونات المجتمع، وهذا يقتضي الحوار مع جميع الأطراف.

وفصل محمد حسن بين موقف آسيان الحذِر من مخالفة ميثاق المنظمة -الذي يحظر التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء- والتحرك الماليزي لإيجاد حل سياسي، في إشارة إلى نجاح رئيس الوزراء أنور إبراهيم في التوصل إلى اتفاق بتمديد وقف إطلاق النار الذي أعلن غداة الزلزال الذي ضرب ميانمار في 28 من مايو/أيار الماضي، وذلك بعد لقائه رئيس المجلس العسكري لميانمار مين أونغ هلاينغ في بانكوك واتصاله برئيس حكومة المنفى.

بحر جنوب الصين

وهيمن أمن الملاحة في بحر جنوب الصين على جميع مناقشات وزراء خارجية آسيان مع نظرائهم من الدول الكبرى، وشدد وزراء آسيان على ضرورة احترام جميع الأطراف مدونة السلوك في بحر جنوب الصين لضمان حرية الملاحة فيه.

وقال وزير الخارجية البريطاني ديفيد لامي إن منطقة جنوب شرق آسيان تدخل ضمن إستراتيجية الأمن القومي البريطاني، وإن لندن ملتزمة بالشراكة الأمنية مع منطقتي المحيطين الهندي والهادي.

كذلك اعتبر وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن منطقة المحيط الهندي والهادي تقع في صلب اهتمام السياسة الخارجية للولايات المتحدة، وفي إشارة إلى الصراع حول تايوان، قال روبيو إن الولايات المتحدة لن تسمح بتدمير العالم في مناطق بعيدة عنها، وأشاد بالنمو الذي تشهده جنوب آسيا بالقول “إن العالم في هذا القرن والسنوات الـ50 المقبلة يُكتب هنا، في هذه المنطقة من العالم”.

ووحدها الصين من الدول النووية تعهدت بالتوقيع على بروتوكول إخلاء منطقة جنوب شرقي آسيا من السلاح النووي، وقال وانغ لي وزير الخارجية الصيني إن بلاده “تضع آسيان في مقدمة أولوياتها، وملتزمة بالحفاظ على حسن الجوار، وبناء مجتمع مبني على مبادئ الخير لمصلحة الإنسانية”.

ختام المؤتمر الـ 58 لوزراء خارجية دول آسيان
ختام المؤتمر الـ58 لوزراء خارجية دول آسيان (الجزيرة)

فلسطين

تصدر الوضع في غزة اجتماعات مؤتمر وزراء خارجية آسيان، فبحضور وزير التخطيط والتعاون الدولي الفلسطيني اسطيفان سلامة، أطلقت آسيان خطة عمل تهدف إلى تمكين الشعب الفلسطيني من نيل حقوقه وإعادة تأهيل المناطق المتضررة من الحرب الإسرائيلية، لا سيما قطاع غزة.

وفي كلمته الافتتاحية، قال رئيس وزراء ماليزيا أنور إبراهيم إن النظام الدولي يضمحل ويسوده انعدام الثقة بسبب عدم وضع حد للنزاعات، كما هي الحال في غزة وفلسطين، حيث يتعرض جميع السكان للحرمان من الكرامة والعدالة لأجيال وعقود.

وأضاف أن الوضع في الشرق الأوسط مضطرب بسبب تصرفات دولة واحدة ضد جيرانها والتهديد بتوسيع الصراع ليشمل جميع المنطقة.

وفي بيان لفلسطين وماليزيا واليابان، طالبت الدول الثلاث بوقف جميع أنواع العنف ووقف تدمير البنية التحتية الفلسطينية.

وفي مؤتمره الصحفي الختامي، قال وزير الخارجية الماليزي محمد حسن إن دول آسيان أكدت ضرورة وقف دائم لإطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية ومحاسبة المسؤولين عن مخالفة القوانين الدولية.

وأضاف أن ماليزيا تستنكر جرائم الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل، ومن بينها التجويع الشامل للأطفال والرضع، وهو ما لا يمكن التساهل معه.

توازن وحياد

حاول وزراء خارجية آسيان الابتعاد عن استقطاب الدول الكبرى من خلال التزام الحياد في صراعاتها، وقال وزير الخارجية الماليزي إن بلاده ودول آسيان معنية بالتجارة، وبذلك فإنها حريصة على أمن واستقرار المنطقة، وأشار إلى الولايات المتحدة أكبر مستثمر في ماليزيا، في حين أن الصين أكبر شريك تجاري لها.

وأشار إلى أن مبدأ منطقة السلام والحرية والحياد هو ما تنص عليه اتفاقية عام 1971 الموقعة من الدول المؤسسة التي تنص على انتهاج سياسة متوازنة ومحايدة.

ولم تخفف مشاركة وزير الخارجية الأميركي التوتر والقلق بشأن الرسوم الجمركية الأميركية التي وصفتها دول في آسيان وغيرها بالمجحفة، رغم قوله إن الفرصة ما زالت متاحة للحوار إذ إن بداية تنفيذ الرسوم في الأول من أغسطس/آب المقبل.

ويرى مراقبون أن وحدة آسيان اهتزت عند نزولها على شرط واشنطن بالحوار مع كل دولة على انفراد، بينما يكرر المسؤولون ضرورة الحفاظ على وحدة آسيان في تعاملها مع القوى الدولية.

وحسب مراقبين، فإن مؤتمر وزراء خارجية آسيان منح الرابطة بعدا دوليا بانضمام دول جديدة لاتفاقية الصداقة والتعاون، مثل الجزائر وأوروغواي، ويتساءلون عن دور هذه المنطقة في عالم مرتقب في عهد ما بعد القطبية الأحادية.

شاركها.